بقلم الطالب  معاد البراهمي
باحث بسلك ماستر الأسرة والتوثيق- بفاس-
مقدمة :
شهدت الساحة القانونية بالمملكة المغربية في الآونة الأخيرة موجة من النقاشات الحقوقية والقانونية التي تروم تكريس وبناء دولة ديمقراطية حديثة، يسودها الحق والقانون وإرساء دعائم الأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص ، طبقا لمقتضيات تصدير دستور المملكة المغربية فاتح  يوليوز 2011.
ويعتبر موضوع ولوج المرأة خطة العدالة ، و الذي يكتسي أهمية علمية وقانونية ، من أهم المواضيع التي طفت على السطح في الساحة القانونية، خصوصا إبان تصريح وزير العدل محمد أوجار، في معرض جوابه عن الأسئلة الموجهة إليه بمجلس النواب، ومن ضمن ما جاء فيه "... وفي إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، فقد حظي موضوع إصلاح المهن القانونية والقضائية بأهمية خاصة في الحوار الوطني ولاسيما مهمة خطة العدالة، حيث أوصى الميثاق في توصيته رقم 169 بوجوب الارتقاء بهذه المهنة بما يسهم في تحديثها وفتح المجال أمام المرأة لممارستها ..."[1].
وتشكل  خطة العدالة من أهم المهن القانونية والقضائية التي تزاول في إطار مساعدي القضاء التي تهدف توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم ، وتحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات بالإضافة إلى المساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية[2].
وغير خاف عن كل ذي بصيرة أن خطة العدالة تعتبر موروثا ثقافيا وحضاريا تستمده من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في محكم كتابه "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا، فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل، واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء...."[3].
ولما كانت لخطة العدالة أهمية بالغة، تدخل المشرع المغربي عبر عدة مراحل لتقنينها وتأطيرها، بدءا من ظهير 07 يوليوز 1914، وصولا إلى ظهير 14 فبراير 2006 بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
كل هذا يدفعنا للتساؤل حول مدى مشروعية ولوج المرأة خطة العدالة ؟ وبتعبير أدق ما مدى أحقية المرأة مزاولة مهنة عدل من الناحية القانونية والشرعية؟
للإحاطة بهذه الإشكالية ارتأينا معالجتها درسا وتحليلا وفق تصميم أكاديمي كالآتي :
المبحث الأول : مدى أحقيقة المرأة لمزاولة مهنة "عدل" من الناحية التشريعية
المبحث الثاني : مدى أحقيقة المرأة لمزاولة مهنة "عدل " من الناحية الشرعية


المبحث الأول : مدى أحقية المرأة لمزاولة مهنة "عدل" من الناحية التشريعية
سنسلط الاضوء في هذا المبحث على مدى أحقية  المرأة مزاولة  خطة العدالة من الجانب التشريعي ذلك من خلال دراسة الشروط التي يتطلبها قانون 03-16 المتعلق لخطة العدالة (مطلب أول) وإبراز مدى ملاءمتها للتشريع الأساسي والأوفاق الدولية (مطلب ثاني).
المطلب الأول : قراءة في الشروط المتطلبة لممارسة خطة العدالة وفق قانون رقم 16.03
تنص المادة 4 من قانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة على ما يلي :
يشترط في المرشح لممارسة خطة العدالة :
1-   أن يكون مسلما مغربيا مع مراعاة قيود الأهلية المشار إليها في قانون الجنسية المغربية.
2-   أن يكون بالغا من العمر خمسا وعشرين سنة، وألا يزيد على خمس واربعين سنة بالنسبة لغير المعفين من المباراة والتمرين، وذلك حسب التقويم الميلادي.
3-   أن يكون متمتعا بحقوقه الوطنية  وذا مروءة وسلوك حسن
4-   أن يكون متوفرا على القدرة البدنية المطلوبة لممارسة المهنة.
5-   أن يكون في وضعية صحيحة اتجاه القوانين المتعلقة بالتجنيد العسكري.
6-   ألا يكون قد حكم عليه من أجل جناية مطلقا أو بحبس منفذ أو موقوف التنفيذ من أجل جنحة باستثناء الجنح غير العمدية، أو بغرامة  ولو موقوفة التنفيذ من أجل جنحة تتعلق بالأموال.
7-   ألا يكون مشطبا عليه بقرار تأديبي بسبب يمس شرف المهنة، أو الوظيفة المشطب عليه منها.
8-   ألا يكون قد حكم عليه بإحدى العقوبات المالية المنصوص عليها في قانون التجارة في حق مسيري المقاولة أو سقوط الأهلية التجارية ما لم يرد اعتباره.
9-   أن ينجح في مباراة تنظم لولوج الخطة ما لم يعفه القانون منها.
إن المتمعن في الشروط المتطلبة في المرشح لولوج خطة العدالة يلاحظ عدم إدراج شرط الذكورة، على الرغم من وجوبها في بعض الحقوق _ وهو ما سنعرض لاحقا بنوع من التفصيل في المبحث الثاني _، وبالتالي ما يمكن استنتاجه هو أن قانون خطة العدالة لم يمنع المرأة من ولوج مهنة العدل، تماشيا مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر المرأة كالرجل في الحقوق والواجبات والمسؤوليات إلا ما استثني بنص صريح.
المطلب الثاني : مدى ملائمة الشروط المتطلبة في خطة العدالة للدستور والمواثيق الدولية
سبق وأن خلصنا في المطلب الأول إلى إمكانية ولوج المرأة لخطة العدالة من الجانب التشريعي من دون مانع أو عارض، وهو الأمر الذي يساير التشريع الأساسي والمواثيق الدولية من حيث المكانة التي أصبحت تحظى بها في هذين الأخيرين، فضلا عن الاهتمام المتزايد بدور المرأة في جميع الميادين وعلى الأخص في ميدان  التنمية[4].
وفي هذا الإطار لقد نص دستور المملكة المغربية في فصله 19 على ما يلي :"يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا  في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، و كل ذلك في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة المغربية وقوانينها.
تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.
وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"[5]
 هذا ويعتبر مبدأ المساواة من المبادئ الأساسية للنهوض بوضعية المرأة، وكذا من المبادئ الراسخة في عمل هيئة الأمم المتحدة[6].
وفي هذا الصدد لقد صادقت المملكة المغربية على العديد من المواثيق الدولية الجماعية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تتضمن في طياتها مقتضيات هي من حيث جوهرها عبارة عن قواعد خاصة تتصل بقانون الأسرة عموما، وحقوق المرأة على وجه الخصوص وأغلب هذه المواثيق والمعاهدات الدولية هي صادرة عن هيئة الأمم المتحدة، ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966 و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادر عن ذات المرجع سنة 1979، وكلها اتفاقيات دولية صادق عليها المغرب ونشرها بالجريدة الرسمية[7].
وختام القول، إذا كانت الشروط المتطلبة لممارسة مهنة العدل تواكب المقتضيات التشريعية الوطنية والالتزامات الدولية فإلى أي حد يمكن القول بملائمتها لقواعد الشريعة الإسلامية؟ (وهذا ما سيكون موضوع دراستنا في المبحث الثاني).


المبحث الثاني : مدى أحقية المرأة لمزاولة مهنة "عدل " من الناحية الشرعية
إن استعراض موقف الشريعة الإسلامية من تولي المرأة خطة العدالة يقتضي تبيان الحقوق التي لا تثبت إلا بشهادة عدلين رجلين (أولا) وكذا الحقوق التي تثبت بشهادة الرجل والمرأة مجتمعين (ثانيا)، وأخيرا إبراز الحقوق البدنية التي تشبت  بشهادة النساء (ثالثا).
المطلب الأول : الحقوق التي لا تثبت إلا بشهادة عدلين رجلين
القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن كل الحقوق مالية كانت أو بدنية –ما عدا الزنى الذي يثبت بأربعة رجال-  تثبت بشهادة العدلين الذكرين باتفاق العلماء، فكل حق من هذه الحقوق شهد به عدلان ذكران فإن شهادتها تقبل ويحكم بها، والحقوق والمعاملات التي تثبت بشهادة عدلين اثنين من رجال المسلمين، هي بحسن أصلها ووجودها في زماننا كثيرة ومتنوعة وأهمها ما يلي : الزواج، الطلاق، الخلع، المباراة، الافتداء، التمليك، الردة، الإسلام، البلوغ، العدة، الجرح، التعديل، النسب، شرب الخمر، القذف الحرابة، القتل العمد، الوكالة في الزواج والطلاق ونحوهما، الوصية والحبس لغير المعنيين، الإيصاء، إثبات العدم، إسقاط الحضانة، الرجعة، الموت[8].
المطلب الثاني: الحقوق التي تثبت بشهادة الرجل والمرأة مجتمعين
أمر الله تعالى  عباده المومنين بأن يشهدوا على مدايناتهم شهيدين من رجال المسلمين، أو شهيد وشهيدتين من نسائهم ممن يرضون من الشهداء، فقال عز وجل في سورة البقرة الآية 281 "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء".
 ولما كان موضوع الشهادة في الآية يتعلق بالديون وهي معاملات مالية قرر علماء الشريعة قبول شهادة العدل الواحد مع العدلتين في الحقوق المالية المحضة أو ما يؤول إلى المال[9].
المطلب الثالث : الحقوق البدنية التي تثبت بشهادة النساء وحدهن
اختلف علماء الشريعة في قبول شهادة النساء اختلافا عريضا متداخلا فمنهم من قبلها في جميع الحقوق المالية أو الآيلة إليها دون غيرها من الحدود والقصاص وما يتعلق بالبدن، ومنهم من قبل شهادة النساء منفردات ، ومنهم من اشترط في قبولها أن يكون معهن عدل واحد رجل على الأقل، والمالكية على راس القائلين بأن شهادة النساء لا تقبل في الحقوق البدنية كالحدود والقصاص والزواج والطلاق إلا أنهم استثنوها من هذه الحقوق ، الشهادة في مواضع لا يطلع عليها الرجال غالبا، وتدعو الضرورة إلى إقامة النساء فيها مقام الرجال، وذلك مثل الولادة والبكارة والثيوبة والحمل والحيض، والاستهلال وكون المولود ذكرا أو أنثى، وإرخاء الستور وعيوب النساء في كل ماهو تحت ثيابهن [10].
ومن كل هذا يتبين أن البعض يرى أن حقوقا لا يشهد فيها إلا الرجال وحدهم ولا يقبل فيها شهادة النساء إسوة بشهادة الرجال[11].
وتجدر الإشارة إلى أن فقهاء الشريعة لم يفرقوا في شهادة المرأة بين أن تكون شهادتها  مكتوبة أو مؤداة أمام القضاء.






خاتمة :
 خلاصة القول إن عدم تولي المرأة المغربية لمهنة عدل راجع لعوامل اجتماعية وسياسية محضة، لكن مادام أن ولوجها لخطة العدالة لا يخالف مبادئ الشرعية الإسلامية والقانون المنظم للمهنة فإنه لا مانع من تولي المرأة المغربية مهام العدل من تلقي الشهادات وتحريرها إذا توفرت فيها باقي الشروط المتطلبة لمزاولة خطة العدالة، شريطة تحديد المجالات التي يجوز لها الشهادة فيها وفقا لشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.








[1] للإطلاع على النص الكامل لجواب السيد محمد وزير العدل، يمكن زيارة الموقع الالكتروني التالي : www.justice.gov.ma
[2] مقتطف من ديباجة قانون رقم 03. 16 المؤرخ في 14 فبراير 2006 المتعلق بخطة العدالة الجريدة الرسمية عدد 5400 بتاريخ 2 مارس 2006، ص 556.
[3] سورة البقرة، الآية 281.
[4] مها قنوت، دور المرأة في عملية التنمية، ندوة تحت عنوان المرأة العربية في المجتمع العربي، أصيلة، 29-30 يوليوز 1990، ص 44.
[5] دستور المملكة المغربية، الصادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011)، ص 3600-3627.
[6] إيمان عمريا، الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق المرأة، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاجتماعي ظهر المهراز، فاس، 2007-2008، ص 12.
[7] محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1436-2015، ص 155-156.
[8] د. العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الأسرة، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1434-2013، ص 228 و 229.
[9] د. العلمي الحراق، التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الأسرة، مرجع سابق ، ص 231.
[10] د. العلمي الحراق، مرجع سابق، ص 238.
[11] رشيدة أحفوض ، (المرأة وخطة العدالة)، مجلة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، العدد الثاني، 2012، ص 66.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة