مقدمة
أمام تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ،واتساع المجالات الصناعية
والعلمية ،أصبح الفرد التاجر عاجزا على
استيعاب ومواكبة المشاريع الاقتصادية الكبرى ،وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للإقلاع
الاقتصادي والقدرة على خوض في الرهانات
المطروحة في مجال المال والأعمال.
و من أجل هذه الغاية عمل الأفراد على ابتكار وضعية قانونية لهم يستطيعون من
خلالها تحقيق تلك المرامي عن طريق الاشتراك فيما بينهم بغية تحقيق الاستثمارات
الكبرى ،ومن هذا المنطلق جاءت فكرة الشركة التجارية.
والشركة التجارية بهذا المعنى تعتبر الإطار القانوني الأكثر ملائمة للقيام
بالمشاريع في ظل الاقتصاديات الحديثة التي تتطلب كفاءة كبيرة في تسيير و الإدارة غالبا ما لا تتوفر في التاجر الفرد ،من
هنا كانت الشركات التجارية أفضل نسيج وأحسن كفاءة لمزاولة الأعمال التجارية[1].
وقد فرضت طبيعة الشركة التجارية كشخص اعتباري على المشرع إيجاد آلية
قانونية كفيلة بحسن قيام الشركة بالغرض الذي أنشأت لأجله. ويعتبر جهاز التسيير من
أهم الآليات القانونية التي خول لها المشرع القيام بعملية التسيير باعتباره ركيزة
أساسية التي تقود الشركة التجارية نحو الربح لحسن التسيير ،أو الخسارة لسوء
التسيير وبالتالي يحدد موضعها في السوق الاقتصادية على هذا الأساس.
وبعد قيام الشركة التجارية بصفة قانونيةّّ، وذلك بالقيام بجميع الإجراءات الضرورية
لتأسيسها، يعمل الشركاء على تعيين هذا الجهاز من بينهم ،لكن قد تحول موانع قانونية
أو واقعية دون تعيين هذا الجهاز إما لعدم خبرتهم وحنكتهم في مجال تسيير الشركة
،مما يستدعي تعيينه من الأغيار لتوفرهم على الشروط الضرورية في التسيير كالخبرة
والكفاءة والحنكة.
وبالنظر إلى حجم المهام الملقاة على عاتق جهاز التسيير عمل المشرع المغربي إلى
ضبطها من داخل الشركة التجارية عن طريق تحديده للسلطات والالتزامات في النظام الأساسي أو في قانون
الشركات ،وكذلك فرض جزاء على المسير في حالة تجاوزه لمهامه المحددة مسبقا (وسنقتصر
على إثارة المسؤولية المدنية فقط دون الجنائية نظرا لكون هاته الأخيرة ذات طبيعة
خاصة تدخل ضمن السياسة الجنائية) ،وتأتي فان هاته الإجراءات تعمل لتفادي حصول تعثر
على مستوى السير العادي للشركة التجارية وكضمانة لحقوق كافة الشركاء والأغيار
والشركة في مواجهة المسير سيء النية الذي يتجاوز غرض الشركة لحسابه الخاص.
ويكتسي موضوعنا هذا أهمية بالغة ،تكمل أساسا في جانبين :أولهما نظري من
خلال تقييم حصيلة التشريع المغربي على المستوى قانون شركة المساهمة وقانون باقي
الشركات في موضوع تسيير الشركات التجارية، الذي عمل المشرع على تكريس مفاهيم جديدة
من قبيل الشفافية والمساءلة على كافة السلطات والالتزامات المقررة والمفروضة على
المسير أثناء مزاولة مهامه من داخل الشركة والحرص على موافقتها للغرض الذي أنشأت
من أجله الشركة حتى يحافظ كما سبق الإشارة إليه على التوازن بين التزامات وسلطات
المسير وكذا حقوق الشركاء والأغيار من المتعاملين معه ،حتى لا تهضم حقوق وتتداخل
فيما بينها.
أما الأهمية العملية فتكمن أساسا في سوء عملية التسيير ودورها في إخلال
التوازن بين مختلف المتعاملين مع الشركة من أجهزة داخلية وخارجية عنها، وكذلك
تأثيرها على سمعة الشركة في السوق الاقتصادية، و لما تثار بشأنها من منازعات على
مستوى القضاء.
وانطلاقا من هاته الأهمية تنتابنا إشكالية أساسية مفادها :
إلى أي حد استطاع المشرع أن يضع نصوصا وآليات قانونية كفيلة بضمان قيام
أجهزة التسيير بمهامها داخل الشركة بالشكل الذي يراعي مصالح جميع مكونات هذه
الأخيرة قصد الحد من المنازعات المرتبطة بالتسيير أمام القضاء ؟
ومن أجل الإجابة عن الإشكالية حاولنا وضع التصميم التالي :
المبحث الأول: المنازعات المتعلقة بمهام التسيير من داخل الشركة التجارية
المبحث الثاني : الإخلال بمهام التسيير في الشركة التجارية والمسؤولية
المدنية المترتبة عنه
المبحث الأول:المنازعات المتعلقة بمهام التسيير من داخل الشركة التجارية
وعيا من المشرع بمدى خطورة المهام الموكولة للمسير و إمكانية انحرافه عنها
من جهة أخرى ،عمل المشرع على وضع ضمانات قانونية كفيلة للحد من المنازعات المثارة
بشأن سلطاته وكذا فرض التزامات عليه تعد بمثابة حماية للشركة التجارية والشركاء
وكذا الأغيار.
المطلب الأول: المنازعات المتصلة بسلطات المسير
إن المسيرين سواء كانوا معينين في النظام الأساسي أو في عقد لاحق أو كانوا
من الشركاء أو من الأغيار ،أشخاصا طبيعيين كانوا أو معنويين ،فرادى أو متعددين
يمثلون بصفتهم هاته الشركة أمام الأغيار وأمام القضاء ويتصرفون ويعملون باسمها[2].(المادة
1016)[3]،وتختلف
السلطات الممنوحة للمسير باختلاف العلاقات التي تربطه بالشركاء (الفقرة الأولى) أو
بالأغيار (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :علاقة المسير بالشركاء
أصبح المسيرون في كافة الشركات التجارية يستمدون سلطاتهم في ظل التشريع
الجديد للشركات من القانون مباشرة ،ولم يعودوا يعتبرون وكلاء عن الشركة كما كان
الشأن في السابق لذلك فقد قرر القانون للمسير صلاحيات القيام بجميع أعمال الشركة
الضرورية لتسييرها وفق الغرض الذي أنشأت من أجله (المادة 7)[4]
أما إذا كانت صلاحيته محددة في عقد التأسيس أو في عقد لاحق حيث يمنع عليه
عندئذ الخروج عن تلك الصلاحيات وإلا عرض نفسه للمساءلة في مواجهة الشركاء (المادة
8 الفقرة 4)[5].
وبالرغم من الصلاحيات الممنوحة للمسير إلا أنه لا يمكن له أن يتدخل خارج
نطاق الغرض الاجتماعي كما هو محدد في النظام الأساسي ،فهذا التحديد يجد أساسه في
المسؤولية المطلقة والتضامنية عن ديون الشركة ،حيث يمكن للشركاء أن يلاحظوا أن
التزاماتهم قد ازدادت من جراء التزام الشركة التي يديرها بأعمال مشوبة بالمخاطر
أكثر من تلك التي رضي بها الشركاء.[6]
كما أنه يجب على المسير ألا يتطاول على السلطات القانونية المخولة أصلا للشركاء،
كتعديل الأنظمة الأساسية أو إثارة مسألة حل الشركة أو تفويت الأصل التجاري الوحيد
المملوك للشركة ،لأن ذلك حسب بعض الفقه الفرنسي يعد بمثابة حل غير مباشر للشركة.[7]
وإذا كان يسوغ تحديد سلطات المسيرين في النظام الأساسي وتعداد ما يمكن
إجراؤه وما لا يجوز إجراؤه حماية لذمة الشركة ،أو إيقاف واحد أو أكثر من التصرفات
على إذن سابق من الشركاء الذين لا يمكن أن يصدر إلا بالإجماع ،فليس من لأصوب
والمحبذ المغالاة في تحديد والتنفيذ اللذين قد يعرقلان سير الإدارة التي تتطلب
نوعا من المرونة وكذلك الاستقلالية[8].
أما بالنسبة لشركة المحاصة فتخضع علاقة المسير بالشركاء وعلاقة الشركاء
يبعضهم البعض لشروط الواردة في النظام الأساسي للشركة المعد مسبقا ،وفي حالة سكوت
النظام الأساسي في تنظيمه لتلك العلاقات وكانت شركة المحاصة ذات الطابع التجاري
تطبق في هاته الحالة الأحكام المطبقة على شركة التضامن ما لم يشترط خلاف ذلك ،أما
إذا كانت شركة المحاصة ذات طابع مدني فتطبق عليها مقتضيات الفصل 1042 من ق.ع.ل.م [9]التي
تجعل الشركاء يلتزمون تجاه الدائنين التي تجعل الشركاء يلتزمون بنسبة حصة كل واحد
منهم في رأس المال ما لم يشترط عقد التضامن خلاف ذلك[10].
أما بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة التي يتمتع المسير بصلاحيات
واسعة لتدبير شؤون الشركة ،إذ أنه يتولى جميع أعمال الإدارة بدون استثناء ،وإذا
كان المشرع قد أجاز للشركاء تقييد هذه الصلاحيات في النظام الأساسي حماية للغير
وضمانا لاستقرار المعاملات فقد حصر ذلك التقييد في العلاقة بين المسير والشركاء
،فلا يجوز بالتالي الاحتجاج في مواجهة الغير ،بل الأكثر من ذلك فإن المشرع جعل
الشركة تلزم في علاقاتها بالأغيار حتى بتصرفات المسير التي لا علاقة لها بغرض
الشركة ،إلا إذا ثبت أن الغير كان على علم بأن التصرف يتجاوز ذلك الغرض او لم يكن
ليجهله نظرا لظروف[11].
وهذا التوجه هو الذي أخذت به محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرارها رقم 198
بتاريخ 05/02/2009 [12] تلزم الشركة ،وهو ما يعني أن جميع الأعمال التي
يجريها المسير تلزم الشركة ،إلا أنه إذا تجاوز فيها حدود صلاحياته فإنه يكون مسؤولا
عن ذلك في مواجهة الشركاء ويشكل ذلك سببا مشروعا يبرر عزله.
أما عن تسيير شركات المساهمة فبالنظر لضخامة عدد المساهمين في شركات
المساهمة عادة ما يستحيل معه كل هؤلاء مهام التسيير فإن المشرع أوجد نظاما للإدارة
يضمن في نفس الوقت الفعالية على هذا المستوى دون أن يقصي المساهمين من تدبير شؤون
الشركة وبالتالي الحفاظ على مصالحهم بطريقة غير مباشرة ،وعلى هذا الأساس عمل
المشرع على توزيع هاته المهام باختلاف الإدارة وهي ثلاث هيئات على الشكل التالي :
-
مجلس الإدارة، أو
مجلس الإدارة الجماعية مع مجلس الرقابة.
-
الجمعية العامة
للمساهمين.
-
مراقبو الحسابات.
ولقد عمل المشرع من خلال القانون الجديد المنظم
لشركة المساهمة على إصلاح نظام تسيير وإدارة الشركات بوسائل متعددة أهمها التنصيص
على منصب رئيس مجلس الإدارة وتحديد مهامه ،وإحداث نظام الإدارة الجماعية مع مجلس
الرقابة يمكن لمن يريد من شركات المساهمة أن يتبناه عوض نظام مجلس الإدارة ،ودعم
مهام وسلطات مراقب الحسابات لضمان رقابة أفضل مع جعلها تتمتع بصلاحيات قانونية
وليس توكيل من الجمعية العامة.
فبالنسبة لصلاحيات مجلس الإدارة فقد قام القانون
20.05 لسنة 2008 بإعادة تحديد سلطات مجلس الإدارة وسلطات رئيسه في إطار الفصل بين
المهام المخولة لكل من الرئيس والمدير العام فعالية أكبر على طريقة تسيير شركة
المساهمة ذات مجلس الإدارة ،فلم تعد له أوسع السلط ليتخذ في كل الأحوال كل
القرارات باسم الشركة والتي ترمي إلى تحقيق غرضها مع مراعاة السلط التي يخولها
القانون لجمعية المساهمين ،فهذه السلطات وقع تحويلها إلى المدير العام ،باعتباره
الساهر على الجهاز التنفيذي للشركة الذي يتولى مهمة التسيير اليومي والدائم لها
،فهو الذي أصبح ينعقد له مهمة القيام بكافة أعمال التسيير واتخاذ كافة القرارات
اللازمة لتحقيق غرض الشركة ،ولكن انطلاقا من التوجهات العامة التي يحددها مجلس الإدارة.
أما فيما يخص شركة المساهمة ذات مجلس الإدارة
الجماعية ومجلس الرقابة فقد أعطى القانون لمجلس الإدارة الجماعية أوسع السلط
للتصرف باسم الشركة في حدود غرضها مع احترام السلطات المخولة لمجلس الرقابة
ولجمعية المساهمين.
وفي الأخير لا يسعنا سوى القول بأنه بالرغم من كل
هذه الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها جهاز المسير من داخل كافة الشركات التجارية
،فإنه يمنع عليه بالمقابل التدخل في
الاختصاصات المخولة لباقي أجهزة الشركة الأخرى كل ذلك يهدف إلي حماية غرض الشركة
وبالتالي حماية لمصالح الشركاء.
الفقرة الثانية :علاقة المسيرين بالأغيار
كرس المشرع التجاري عدة ضمانات لفائدة الأغيار
حسني النية عند تعاملهم مع مسير الشركة على اعتبار أن هؤلاء لا يكون لهم اطلاع
مباشر في غالب الأحوال على الأنظمة الأساسية للشركات التجارية.
ويختلف
حجم ومستوى هذه الضمانات بحسب طبيعة الشركة و نوع المسؤوليات فيها على الشكل
التالي :
فبالنسبة لشركة التضامن الشركة فتتحمل الشركة كافة أعمال التي تدخل ضمن غرفها في مواجهة
الغير بالمسير ،ولا يمكن أن تحتج في مواجهته بأحكام النظام الأساسي التي تحد من
سلطات المسير المادة 8 الفقرتين 1/3،ويرجع السبب في إقرار هذه القاعدة إلى رغبة
المشرع في حماية الأغيار من المتعاملين مع الشركة و إلى ضمان استقرار المعاملات.
بالنظر إلى أن الأغيار عندما يتعاملون مع المسير فذلك على أساس أنه يمثل الشركة
،وليس من المنطقي أن نطالبهم في كل مرة أن يتأكدوا من أنه يتصرف في إطار الصلاحيات
المخولة له فان ذلك فيه عرقلة للمعاملات
الاقتصادية و لصعوبة ذلك من الناحية
العلمية.[13]
أما بالنسبة لشركة المحاصة فقد أعطى القانون للشركاء كامل الحرية الاتفاق
على شروط تسيير الشركة (المادة 89 من قانون ب.ش)،و سواء كان المدير من الشركاء أو
من الأغيار فإنه يجري كافة المعاملات المتعلقة بها باسمه وهو الذي يكون مسؤولا
عنها في مواجهة من تعاقد معه،وبالتالي لا يمكن للدائنين الرجوع على بقية الشركاء
حتى ولو كانوا يعرفون بوجودهم و بقيام الشركة بهم.
و في الأخير يمكن القول أن المشرع قلص نوعا ما من الضمانات المخولة للأغيار
،ورتب مسؤولية و إلتزام الشركة في العلاقات التي تبرمها مع هؤلاء التي تدخل ضمن
غرض الشركة فقط دون تلك التي تتجاوزه ،بحيث لا يبقى لهؤلاء الأغيار متى عمد المسير إلى التعامل معهم خارج غرض الشركة
سوى ‘إثارة مسؤوليته الشخصية دون إمكانية إثارة مسؤولية الشركة في ذلك .[14]
أما بالنسبة لشركة التوصية بالأسهم كنماذج الأمثل لشركات الأموال و بشكل
نسبي لشركات المسؤولية المحدودة نجد المشرع التجاري قد وسع إلى أقصى الحدود من
هامش الخدمات المخولة للأغيار التي يتمتع بها عموم الجهاز المسير و الشركاء في هذا
النوع من الشركات ،بحيث نصت في الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 69 من ق.ش.م
(بالنسبة لشركة المساهمة ذات مجلس الادارة)،و الفقرة الثالثة و الثانية من المادة
102 من نفس القانون (بالنسبة لشركة المساهمة ذات الادارة الجماعية و مجلس الرقابة
)،و الفقرة الثالثة و الرابعة من المادة 62 من نفس القانون (بالنسبة لشركة ذات
المسؤولية المحدودة)،على أن هذه الشركات تلتزم في علاقاتها بالأغيار حتى بتصرفات
الجهاز المسير التي لا تدخل ضمن غرضها،ما لم يكن ليحمله نظرا للظروف و لا يكفي
مجرد نشر النظام الأساسي الأصلي أو المعدل لإقامة هذه الحجة.
-و بعد هاته التوطئة حول السلطات المخولة لجهاز المسير في تدبير الشؤون
اليومية للشركة عمل المشرع لموازنة هاته السلطات بإقرار التزامات من شنها الحد من
تلك السلطات حتى لا يتعسف المسير في استعمالها لصالحه و هي من سنتناوله في المطلب
الثاني من دراستنا .
المطلب الثاني:المنازعات المتصلة بالتزامات المسير في الشركات التجارية.
مما لا شك فيه أنه بمجرد تعيين المسير من طرف الشركاء ،فإنه يضحى من حقه
الانخراط بإدارة الشركة و القيام بما يلزم لتسيير و إدارة شؤونها و التصرف باسمها
و تعريف أعمالها حيث أنه يمثلها من الناحية القضائية و بعبارة أخرى فالمشرع أعطى
للمسير صلاحيات واسعة لتسيير الشركة بما يعود بالنفع على هذه الأخيرة .في المقابل
ألقى المشرع على عاتقه مجموعة من الالتزامات و حمله بمجموعة من الواجبات تهدف
أساسا إلى حماية الشركة و الشركاء من التصرفات الضارة أو الإهمال الذي يمكن أن
يرتكبه المسير و يمكن أن نصنفها إلى التزامات تجاه الشركة (الفقرة الأولى)،و
التزامه نحو الشركاء(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :التزامات المسير تجاه الشركة
عمل المشرع التجاري على وضع التزامات على عاتق المسير من شأنها حماية
الشركة من جهة، و يمارس مهامه في إطار غرضها من جهة تانية، و بالتالي يجب على
المسير أن يكرس جهده لخدمة الشركة ،وعدم تفويض صلاحياته للغير(أولا)،كما يلتزم
حرصا على مصلحة الشركة بعدم منافستها (ثانيا)،وكذلك يلتزم بعدم إفشاء أسرارها
(ثالثا)،وأخيرا يلتزم المسير بالحفاظ على أموال الشركة (رابعا)
أولا :التزام المسير بتسيير الشركة بصفة شخصية و عدم تفويض كل صلاحياته
للغير.
يجد هذا الالتزام مصدره في كون هذا المنصب يقوم على أساس اعتبارات شخصية في
شخص المسير تتعلق إما بصفته أو بحجم مساهمته في رأس المال أو بكفاءته المهنية أو
العلمية أو الائتمان التجاري الذي يوفره للشركة[15]
أو لما هو معروف عليه مع سمعة ممتازة و علاقات تجارية كبيرة،لهذا فعلى ضوء هذه
المعطيات يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية السماح للمسير بتفويض كل أو جزء من
صلاحياته للغير ؟.
إن تعقد المهام وكثرتها في بعض أنواع الشركات التجارية هي السبب الرئيسي
وراء ميل المسير للتنازل عن بعض مهامه للغير ،كل ذلك وفق ضوابط وشروط محددة مسبقا
مثل تفويض مهام الإدارة المالية وكذلك تفويض تسيير إدارة الموارد البشرية ووسائل
النقل واللوجستيك من داخل الشركة التجارية.
ومن خلال استقرائنا للنظام القانوني المنظم للمسير في الشركات التجارية
،نجد المشرع المغربي ونظيره الفرنسي لم يبين ما إذا كان للمسير حق تفويض صلاحياته
للغير لهذا نلجأ للبحث عن حل ضمن القواعد العامة المنظمة لعمل الوكيل في قانون
الالتزامات والعقود ،حيث نجد الفصل 900 من ق.ع.ل.م لا يوجز مبدئيا للمسير الوكيل
أن يوكل شخصا آخر ويفوض له كل أو جزء من صلاحياته لتسيير الشركة مالم يمنح هذا
الحق أو ما لم يستخلص من ظروف الواقع التي يستقل القاضي الموضوع بتقديريها.
نفس الشيء ذهب إليه المشرع المصري ضمن مقتضيات المادة 708 من القانون
المدني ،وكذلك كرسته محكمة النقض الفرنسية في عدة مناسبات ،حيث قررت أن المسير في
الشركة ذات المسؤولية المحدودة لا يمكن له أن يفوض كل صلاحياته للغير ،باعتبار أن
وكالته خاصة وشخصية ،فمهمة التسيير التي أوكلت الى المسير كانت بسبب المواصفات
التي يتمتع بها هو شخصيا (المسير).
وما يعزز طرحنا هذا القائم على كون مهام التسيير ذو طابع شخصي هو أن مهام
التسيير لا تنتقل إلى ورثة المسير بعد وفاته ما لم يتم الاتفاق بين الشركاء الى
إسناد مهام التسيير لورثته ،وهذا ما قضت به محكمة النقض – المجلس الأعلى سابقا –
في قرارها عدد 689 سنة 2005 .[16]
ثانيا :التزام المسير بعدم منافسة الشركة
إن أساس التجارة هو المنافسة من أجل تحقيق الربح،فالتاجر يهدف إلى تحقيق
عدد كبير من الزبناء وذلك بالقضاء على منافسيه الذين يمارسون نفس الأنشطة ،وذلك في
إطار المنافسة المشروعة.[17]
إلا أن المسير باعتباره المطلع الأكبر على جميع وثائق الشركة و على هذا الأساس
يمنع عليه ممارسة أي نشاط يمكن أن يلحق ضررا بالشركة أو بسمعتها و يجد هذا
الالتزام اساسه القانوني ضمن الفصل 1004 من ق.ل.ع.م.[18]
أما بالنسبة للقانون المتعلق بباقي الشركات التجارية رقم 96-5 فنجد هذا
الالتزام متمثل ضمن مقتضيات المادة 7[19]
،و كذلك ألزم المشرع أيضا ضمن المادة 63[20]،من
نفس القانون.
فطبقا للقواعد القانونية المذكورة أعلاه يمنع على المسير بدون رضى الشركاء
أن يقوم لحسابه الخاص أو لحساب الغير بممارسة نشاط من شأنه أن يضر بمصلحة الشركاء
،وهذا النهج هو الذي سار عليه المشرع المصري كذلك ضمن المادة 521 من القانون
المدني .
ثالثا :التزام المسير بعدم إفشاء أسرار الشركة
يرتبط هذا الالتزام ارتباطا وثيقا بالالتزام السابق بجهاز المسير نعلى
اعتبار أن استغلال أسرار الشركة و إفشاءها للأغيار من شأنها أن ترتب منافسة غير
مشروعة للشركة ،وبالتالي الإضرار بمصالحها [21]،ويؤدي
الإخلال بهذا الالتزام لا محالة إلى تعريض المسير للمسؤولية المدنية و إمكانية
عزله و إثارة مسؤوليته الجنائية استنادا لمقتضيات المادة 446 من م.ق.ج باعتباره
خطأ جسيما .
و بناءا على ما سبق إذا كان يلزم على المسير عدم إفشاء السر المهني فهل
يمكنه أن يحتج بالسر المهني ضد مراقب الحسابات ؟
إن محاولة التشريع التجاري الإجابة عن هذا الإشكال جاءت عبارة عن مادة
يتيمة ضمن قانون رقم 96-5 ،و يتعلق الأمر بالمادة 13 [22]،التي
أحالت بدورها على المادة 168 [23]،ضمن
من قانون 95-17 المتعلق بشركة المساهمة ،وبالتالي نجد المشرع ضمن قواعد قانون
الشركات جعل الالتزام بعدم إفشاء السر المهني كاستثناء في حالة طلب ذلك السر من
مراقب الحسابات سيحقق مهمته حتما ،ويعطل الأهداف المتوخاة من المراقبة .
رابعا :التزام المسير بالمحافظة على أموال الشركة و صيانة حقوقها .
إن أول إجراء يجب أن يقوم به المسير أثناء تعيينه هو أن يتأكد من أن
إجراءات تأسيس الشركة قد روعيت ضمن ما هو مقرر قانونا ،إلا أن كل إجراء متخذ بعد
ذلك يكون تحت مسؤوليته لذلك يأتي التزام المسير بالحفاظ على السير العادي للشركة
عن طريق بذله للعناية اللازمة لذلك كما لو كان يقوم بأداء اعماله الخاصة.و كل
تفريط من قبله دون احتمال الحادث الفجائي و القوة القاهرة يعرضه للمسؤولية أو
العزل،و هذا ما يستفاد من صياغة الفصل 1006 من ق.ل.ع.م[24]،أمام
جمود النص الخاص بقانون الشركات المغربي .
و في الأخير بالإضافة إلى هاته الالتزامات السابقة للمسير تجاه الشركة هناك
التزامات للمسير تجاه الشركاء .
الفقرة الثانية :التزامات المسير تجاه الشركاء
يلتزم المسير باعتباره ممثلا للشركة بعدة التزامات تجاه الشركاء ،تسمح لهم
بالإطلاع على أحوال الشركة و مراقبتها ،حيث يمكن أن نقسم هذه الالتزامات إلى
التزام المسير باستدعاء الجمع العام (أولا)،و التزام المسير بتقديم الحساب عن
إدارته للشركة(ثانيا).
أولا :التزام المسير باستدعاء الجمع العام .
سنقتصر في دراسة هذا الالتزام في دراسته مع شركة ذات المسؤولية المحدودة
التي تجمع بين خصائص شركة الأشخاص و شركة الأموال ،إن الجمع العام للشركة ذات
المسؤولية المحدودة مصدر التقرير و التوجيه في الشركة ،فالجمع العام هو الذي يتكلف
بتعيين المسير و إليه يرجع أمر عزله أيضا ،فالشركاء متساويين في اتخاذ كافة
القرارات ،لهذا فالشركاء من أجل ممارسة حقهم هذا يلتزم المسير باستدعائهم أو استشارتهم
كتابة مع مراعاة شروط هذا الاستدعاء.
إن الجمع العام ،كسلطة تقريرية و توجيهية يتم عقده داخل ستة اشهر من اختتام
السنة المالية ،ليتم التداول حول تقرير التسيير لذلك فعلى المسير أن يقترح أثناء
الجمع العام الاقتطاعات المراد تخصيصها لتكوين الاحتياطي القانوني و الاختياري،كما
يلزم على المسير قبل انعقاد الجمع العام بخمسة عشرة يوما أن يوجه أو يضع رهن إشارة
الشركاء المستندات والوثائق المنصوص عليها قانونا.
كما يلتزم أيضا بعقد الجمع العام غير العادي أيضا في كل تعديل لمقتضيات
النظام الأساسي.
و في الأخير يمكن القول أن هدف المشرع من وراء ذلك هو تمكين الشركاء من
الإطلاع على الأحوال العامة للشركة و ذلك كله من أجل ضمان استمرارية الشركة.
ثانيا :التزام المسير بتقديم الحساب
يجب على المسير أن يقوم بتقديم الحساب عن إدارته للشركة و حتى يقوم بهذا
الالتزام على أحسن وجه يجب أن يهيئ جردا مفصلا لكل أصول و خصوم الشركة ،مع بيان
أسباب التقييم المعمول بها لإعداد هذا الجرد ،ويجب أن يكون هذا الجرد رهن إشارة
الشركاء حتى يتمكنوا من الاطلاع عليه ،دون أن يكون لهم الحق في أخذ نسخة.
و في الأخير نستنتج أن نية المشرع من وراء هذا الالتزام هي تمكين الشركاء
من الاطلاع على الأحوال العامة للشركة و المركز المالي لمشاريعهم حتى يكونوا على
بينة من الأمر ،و يتخذوا التدابير الناجعة لضمان استمرار المشروع و تحقيقه لما
يطمحون إليه من أهداف .
المبحث الثاني:
الإخلال بالتسيير في الشركات التجارية والمسؤولية المدنية المترتبة عنه
إن الملاحظ من خلال
قانون الشركات التجارية المغربي أنه قد منح للمسير صلاحيات واسعة تراعي مصلحة
الشركة والشركاء والأغيار، لكن في مقابل ذلك فإنه في حالة الإخلال بهذه الصلاحيات
الذي غالبا ما يتخذ صورة الخطأ في التسيير (مطلب أول) فقد رتب على ذلك المسؤولية
المدنية التي تترواح ما بين مسؤولية مدنية عادية ومسؤولية مدنية مشددة في حالات
خاصة. (مطلب ثاني).
المطلب الأول:
الخطــأ في تسييـر الشركــات التجارية:
بالرجوع إلى المادة
352 من ق ش م والمادة 67 من قانون باقي الشركات التجارية نجد أن مسؤولية المسير
إما أن تكون عن مخالفة النصوص القانونية المنظمة للشركات التجارية أو مخالفة
النظام الأساسي للشركة (الفترة الأولى) أو عندما يقوم بأخطاء التسيير غير المنصوص
عليها في لا القانون ولا في النظام الأساسي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
مخالفة المقتضيات القانونية أو النظام الأساسي للشركة:
بالنسبة لمخالفة
المقتضيات القانونية للشركات التجارية فتتحقق عندما يرتكب المسير جملة من الأخطاء
الناتجة عن خرق المقتضيات القانونية المتعلقة بالتسيير وذلك إما بالفعل أو
بالامتناع.ويمكن التمثيل لأهم صور الأخطاء التي يرتكبها المسير بالفعل بما تنص
عليه المادة 42 من ق ش م التي تمنع على المسير قبوله لمهامه بالرغم من علمه بعدم
أهليته لمزاولة مهمة التسيير في شركة المساهمة، أو الوقوع في حالة من حالات
التنافي.[25]
ومنه يعتبر من أخطاء
التيسير المندرجة ضمن مخالفة المقتضيات القانونية عن طريق القيام بعمل كل نشاط
يقوم به المسير من غير أن يسمح القانون به أو بعبارة أخرى كل مخالفة لمقتضى قانوني
يقضي بعدم القيام بعمل أو القيام به لكن بشروط معينة كما هو الحال بالنسبة للمسير
الذي يقوم بتسيير شركتين لهما نفس الغرض دون الحصول على إذن بذلك.
أما بالنسبة لمخالفة
النصوص القانونية عن طريق الامتناع فتتحقق عندما يمتنع المسير عن القيام بعمل يأمر
أو يفرضه القانون عليه، كعدم دعوة الجمعية العامة غير العادية للانعقاد عندما يكون
الجهاز المسير على علم بأن الوضعية الصافية للشركة تقل عن ربع رأس المال بسبب
خسائر مثبتة في القوائم التركيبية خلال الأشهر الثلاثة الموالية للموافقة على
الحسابات التي أفرزت تلك الخسائر. كما يمكن التمثيل لامتناع المسير عن فعل يأمر به
القانون عدم قيامه بتقديم تقرير إلى الجمعية العامة في حالة الاستشارة الكتابية
بشأن الاتفاقات الحاصلة أو عن طريق وسيط بين الشركة وأحد المسيرين أو الشركاء وذلك
ما لم تتم هذه العملية أو هذا الإجراء من قبل مراقب الحسابات إذا وجد وهذا ما تنص
عليه المادة 64 من قانون باقي الشركات التجارية 5.96 التي تفرض على المسير القيام
بهذا الإجراء عن طريق استعمالها لعبارة "يقدم" التي تفيد الإلزام مما
يعني بطريقة غير مباشرة أن الإخلال بهذا
الإجراء يحمل مرتكبه المسؤولية ويشكل خطأ في التسيير.
ومن التطبيقات
العملية لمسائلة المسير عن عدم دعوته الجمعية العامة للانعقاد نجد محكمة الاستئناف
التجارية بمراكش التي قضت أن دعوة الجمعية العامة للانعقاد بالنسبة لشركة المساهمة
يتم بواسطة إشعار يتم نشره بالطرق القانونية أو عن طريق توجيه استدعاء إلى كل
مساهم وفق ما هو منصوص في النظام الأساسي إذا كانت أسهم الشركة إسمية وذلك طبقا
للمادة 122 من قانون 17.95 كما أن المبادر
لعقد الجمع العام دون توجيه أي استدعاء، وبأية طريقة كانت لباقي المساهمين في
الشركة يشكل مخالفة لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 122 من ق 95-17[26].
أما ما يتعلق بالخطأ
المرتبط بمخالفة النظام الأساسي فحالاته كثيرة في قانون الشركات التجارية وتتحقق
عندما يعمل المسير على القيام بتصرفات تتعارض مع ما هو مقرر في النظام الأساسي
للشركة، كأن يقوم بأعمال تخالف الغرض الذي أنشئت الشركة من أجله بأي طريقة من
الطرق، كما لو قام المسير باستعمال أموال الشركة لأغراضه الخاصة (استخدام مسير
لشركة الصباغة لعمال هذه الأخيرة في صباغة منزله أو استعمال وسائل النقل للشركة في
تجارته الخاصة والمستقلة عن الشركة). أو أن يتجاوز المسير المدة المحددة له قانونا
لمزاولة مهمته كمسير بشكل تدليسي يترتب عنه ضر للشركة أو الشركاء أو الأغيار.
وفي إطار مسائلة
المسير المخالف لغرض الشركة باعتباره يشكل خطأ في التسيير نستحضر قرارا صادرا عن
محكمة الاستئناف بفاس قضت فيه بأن المسير ملزم طبقا الفصل 1026 من ق.ل.ع أن يعمل
في نطاق غرض الشركة وبأن تتم تصرفاته بحسن نية، إذ يظل ملزما بجبر الأضرار اللاحقة
بباقي الشركاء أو الشركة ذاتها عن الأخطاء المرتكبة من طرفه في تسيير الشركة متى
ثبت أن ذلك تم دون مراعاة المصلحة المشتركة للشركاء أو لغرض الشركة[27].
ولا تطرح حالات
الإخلال بالقانون أو النظام الأساسي أي إشكالات من حيث تحديدها وترتيب الآثار
الناجمة عنها[28]
بحيث أن الخطأ يكون فيها مرتبط بمخالفة مقتضيات قانونية منظمة مسبقا في قانون
الشركات التجارية أو في النظام الأساسي بمعنى أن القاضي في تحديد لخطأ في التسيير
من هذا القبيل لا يجد صعوبة في تكييفه وتحديده، كما أن المسير لا يجد منفذا للتهرب
من المنسوب إليه، هذا خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة لمخالفة أخطاء التسيير غير الواردة في النظام الأساسي وغير
المقننة في قانون الشركات التي تطرح إشكالات جمة.
الفقرة الثانية:
أخطاء التسيير غير المنظمة في قانون الشركات والنظام الأساسي للشركة:
إذا كانت أخطاء
التسيير المترتبة عن مخالفة المقتضيات القانونية والاتفاقية (النظام الأساسي) لا
تطرح أي إشكال فإن الأخطاء المتعلقة بأفعال غير منظمة في قانون الشركات التجارية
أو النظام الأساسي تعرف العديد من المشاكل والصعوبات في تحديد الالتزامات التي
يتعين على المسير احترامها وتجنب الوقوع تحت المسؤولية بسببها، كما أن القاضي يجد
صعوبة كبيرة أثناء إعماله لسلطته
التقديرية في تحديدها وتكييفها.
كما نستشف من خلال
قراءة المواد 352 من ق ش م و 67 من قانون باقي الشركات التجارية أن المشرع المغربي
لم يتجرأ على تعريف الخطأ في التسيير غير المقنن في النصوص التشريعية والتنظيمية
المطبقة للشركة والنظام الأساسي لهذه الأخير، بل اكتفى بذكره كسبب من أسباب قيام
المسؤولية في وجه المسير، كما نلاحظ أن صياغة المادتين غير واضحة ودقيقة، إذ نجد
أن المشرع من خلالها يميز بين الخطأ في التسيير ومخالفة الأحكام القانونية
والتشريعية المطبقة على الشركة والنظام الأساسي والحال أن هذه الأسباب الثلاثة
كلها تشكل خطأ في التسيير.
لكن نعتقد أن الهدف
الذي يرمي إليه المشرع من وراء هذه الصياغة هو التمييز بين الحالات الواردة في القانون أو النظام الأساسي التي تبقى أكثر
سهولة في الإثبات، ويكون التعويض فيها كبير وثمينا لفائدة المتضرر، نظرا لأن
المسير شخص محترف ويعلم مسبقا أن الفعل الذي يقوم به هو مخالف للقانون أو النظام
الأساسي للشركة وبين تلك الغير منظمة في القانون أو النظام الأساسي للشركة التي
غالبا ما يواجه القاضي صعوبة كبيرة في تحديدها وتكييفها ويكون التعويض فيها حسب
اعتقادنا قليلا بالمقارنة مع التعويض المستحق عن مخالفة القانون أو النظام الأساسي
للشركة.
وفي ظل هذا الغموض
الذي جاءت به المادتين 352 من ق ش م والمادة 67 من قانون باقي الشركات التجارية
حاول بعض الفقه إعطاء تعريف للخطأ في التسيير غير الوارد في القانون أو النظام
الأساسي للشركة حيث عرفه الأستاذ محمد العلمي المشيشي بأنه كل تصرف مخالفا لمصلحة
الشركة[29].
لكن ما نلاحظه على
هذا التعريف رغم أنه منطقي وله مبرراته إلا أنه يبقى فضفاض لا يسعف القاضي في
تحديد ما يعتبر خطأ في التسيير من غيره.
ونعتقد أن الخطأ في التسيير(غير المنظم في قانون الشركات أو النظام الاساسي) هو كل فعل يقوم به المسير من شأنه أن يلحق ضررا
بالشركة أو الشركاء أو الأغيار، وغير منظم في القانون أو النظام الأساسي للشركة، وهذا التعريف يتماشى
مع روح الفصل 1026 من ق. ل .ع الذي ينص على أنه "لا يصوغ للمتصرفين، ولو
انعقد إجماعهم كما لا يسوغ لأغلبية الشركاء القيام بأعمال أخرى غير الأعمال التي
تدخل في غرض الشركة.
وينعكس غموض الخطأ في
التسيير على تحديد حالاته، حيث يستحيل تحديد كل حالاته إلا أن هذا لا يمنع من
الإشارة أو التمثيل لبعض حالاته وهي:[30]
-عدم الحذر في التصرف
في أموال الشركة كما لو قام المسير باقتراض أموال الشركة، يبدو فيها الوفاء بمبلغ
الدين مستبعد وصعب المنال.
-توجيه أموال الشركة
إلى الحساب الخاص للمسير.
-إبرام عقود تجارية
لأجل مصلحة خاصة تحت ستار الشركة.
-سحب شيك على الشركة
بالرغم من عدم توفر المؤونة في الحساب البنكي.
وغني عن البيان أن
أهم مشكل يطرح في إطار خطأ التسيير غير المنظم في قانون الشركات التجارية أو في
نظامها الأساسي هو الإثبات خاصة وأن التسيير غالبا ما يتم من طرف أشخاص يتوفروا من
الحيلة ما يجعلهم يرتكبون أخطاء من الصعب على المدعى المتضرر إثباتها أمام القضاء،
لاسيما إذا تم الاعتماد على القواعد العامة.
أمام هذه الصعوبة
التي يتسم بها إثبات الخطأ في التسيير، تبقى الوسائل المقررة في القواعد العامة
عاجزة عن إثبات الخطأ في التسيير وما يبقى إلا الرجوع إلى الخبرة المحاسبية وخبرة
التسيير كأهم الآليات الملامة للإثبات الخطأ في نطاق الشركات التجارية لأنه مهما
كانت حالة الخطأ في التسيير وسببه، يتطلب الرجوع إلى التصرفات التي قامت بها
الشركة لإثبات وجود تصرف من عدمه ومخالفته لمصلحة الشركة، وهذا لن يتأتى إلا
بالرجوع إلى الوثائق المحاسبية الممسوكة من قبل الشركة لإثبات خطأ التسيير[31].
وعموما ما يمكن
ملاحظته عن الخطأ في التسيير في الشركات التجارية، أنه على خلاف الخطأ الموجب
للمسؤولية المدنية وخاصة التقصيرية الذي غالبا ما يقتصر على القيام بنشاط معين
(إيجابي) فإنه بالنسبة للشركات التجارية يمكن أن يتحقق بالفعل أو بالامتناع.
وعليه فإذا ثبت هذا
الخطأ في التسيير من طرف المسير أو الجهاز المكلف بالتسيير فإنه يتحمل المسؤولية
المدنية عن فعله هذا التي يبقى الهدف منها هو تعويض المضرور أو جبر الضرر.
المطلب الثاني:
المسؤولية المدنية للمسير في الشركات التجارية
من خلال المادتين 352
من ق.ش.م والمادة 67 من قانون باقي الشركات التجارية يتضح أن المسؤولية المترتبة
عن الخطأ في التسيير في الشركات التجارية (مخالفة القانون المطبق على الشركة أو
مخالفة النظام الأساسي لهذه الأخيرة أو أخطاء التسيير) إما أن تكون مسؤولية
فردية(الفقرة الأولى) أو مسؤولية تضامنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
المسؤولية الفردية لمسير الشركة
بناء على مقتضيات
المادتين 352 من قانون شركة المساهمة والمادة 67 من قانون باقي الشركات التجارية
نستشف المسير يتحمل المسؤولية الفردية عند يرتكب خطأ في التسيير لوحده دون أي مشاركة من باقي المسيرين، وذلك بمناسبة أداءه لمهامه داخل الشركة أو عند القيام
بالمهمة الموكولة له.
ومما تجدر الإشارة
إليه هو أن تقرير المسؤولية الفردية لأحد مسيري الشركة لا يعني عدم متابعة باقي
المسيرين مدنيا عن الأخطاء التي ارتكبها المسير فرديا، إذا لوحظ في مراقبتهم لأعماله تقصير أو إهمال وعدم
اليقظة في الإشراف على شؤون الشركة أو إذا تبين أنه كان بإمكانهم منعه من الوقوع
في الخطأ لو أنهم تحلوا بالحرص والعناية
اللازمين[32].
ولاشك أن تكريس
المسؤولية الفردية للمسيرين كأثر من آثار الخطأ المرتكب من طرف هؤلاء يعتبر حلا
مبررا لكون المنطق والعدالة تقتضيان تحميل المسؤولية للمخطئ[33].
وإذا كانت مسؤولية
المسيرين الفردية مقبولة ويمكن تطبيقها في باقي الشركات التجارية غير شركة
المساهمة نظرا لبساطة أجهزة التسيير فيما حيث تتكون من مسير واحد أو أكثر، وغالبا
ما يكون مسير واحد يتخذ القرارات بصفة فردية، بحيث إذا وجد خطأ في التسيير فإنه
يكون خطأ فرديا موجبا للمسؤولية الفردية، فإن تطبيق المسؤولية الفردية للمسيرين في
نطاق شركات المساهمة قد يصعب بالنظر إلى تعدد الأجهزة المشرفة على عملية التسيير
وتعقيدها ومع ذلك فإن المشرع لازال يؤكد على المسؤولية الفردية لمسيري شركات
المساهمة وذلك بموجب المادة 352 من قانون شركة المساهمة التي جاء فيها" يكون
المتصرفون والمدير العام وإن اقتضى الحال المدير العام المنتدب أو أعضاء مجلس
الإدارة الجماعية مسؤولين فرادى أو متضامنين تجاه الشركة أو الأغيار..."
وفي نهاية هذه الفقرة
نؤكد على أن المسؤولية المدنية الفردية لمسيري الشركات التجارية عن خطأ التسيير لا
تثير أي إشكال على اعتبار أنها تنتج عن ارتكاب فعل يشكل خطأ في التسيير بحيث يتحمل
تبعة خطئه لا أقل ولا أكثر.
كما نود أن نشير أيضا
إلى أن المشرع المغربي لم يتطرق للمسؤولية المدنية عن أخطاء التسيير إلا بالنسبة
لشركة المساهمة وشركة المسؤولية المحدودة، وبالتالي نتسائل هل هذه المقتضيات تشمل
باقي الشركات التجارية(شركة التضامن، التوصية البسيطة، التوصية بالأسهم، شركة
المحاصة) أم لا، مع العلم أن هذه الشركات
هي منظمة في نفس القانون المنظم لشركة المسؤولية المحدودة (قانون 96.5) إلا أننا
باطلاعنا على المقتضيات المتصلة بهذه الشركات، لا نجد أي مقتضى عن مسؤولية المسير
المدنية في هذه الشركات، فضلا عن عدم وجود أي إحالة فيها تحيل على قانون شركة
المساهمة حتى يمكن القول أنها تخضع لأحكام هذا القانون فيما يتعلق بمسؤولية المسير
المدنية.
الفقرة الثانية: المسؤولية
التضامنية لمسيري الشركات التجارية
إذا كانت المسؤولية
الفردية أو الشخصية لا تثير إشكالات باعتبارها تصدر من مسير واحد يتحمل تبعه خطئه
إذا تحققت شروط المسؤولية من خطأ و ضرر وعلاقة سببية بينهما، فإن الإشكال يفرض
نفسه حالة الخطأ المشترك الصادر عن مسيرين متعددين، وإن كان مبدئيا أن كل واحد
منهم يسأل بصفة فردية عن الأخطاء الصادرة عنه، إلا أنه إذا شاركوا في نفس الخطأ
فإنهم يسألون بصفة تضامنية عن ذلك حيث نكون والحالة هذه أمام مسؤولية تضامنية
يترتب عنها إشكالية تشطير المسؤولية خصوصا في حالة وجود التفاوت في جسامة الخطأ[34].
وتكون المسؤولية
تضامنية عندما يتعدد المسيرون المسؤولون عن الضرر ويتعذر تحديد الفاعل الأصلي من
بينهم، أو يتعذر تحديد النسبة التي ساهم بها كل واحد منهم في الضرر.
ولضمان العدالة
والإنصاف في تحديد المسؤولية، وتحديد كل مسير شارك في الخطأ الذي ألحق ضررا
بالشركة مسؤولية تناسب نسبة مشاركته في الخطأ والضرر الناتج عنها سمح المشرع في
إطار المسؤولية بتحديد نسبة التعويض المدين بها كل مسير تبعا لنسبة مشاركته في
الخطأ ومن ثم في الضرر اللاحق بالشركة[35].
لكن الإشكال المطروح
هو ما هو المعيار الذي سيعتمد عليه القاضي في تحديد نسبة كل مشارك الخطأ. فلا شك
أن القاضي سيجد صعوبة في القيام بهذه المهمة وحتى وإن قام بها فغالبا ما سيكون
مجحف في حقوق البعض (المسيرين) ومغلبا لمصلحة البعض الآخر منهم.
ويترتب عن المسؤولية
التضامنية للمسرين إعطاء الحق للمضرور في أن يعود على أي مسير وحده دون الآخرين
لأداء مبلغ التعويض كاملا ولا يمكن لهذا المسير الدفع بتقسيم مبلغ التعويض على
باقي المسيرين المسؤولين، بينما يحق له بعد أداء مبلغ التعويض أن يعود على هؤلاء
كل بقدر مساهمته في القيام بالخطأ الذي
على أساسة نتج التعويض.
وفي ختام هذا المطلب
نقول أن دعوى المسؤولية المدنية ضد المسير لا تتوقف على هذه الحالات العادية من
المسؤولية المدنية فقط بل هناك حالات المسؤولية المدنية المشددة للمسيرين في حالة
فتح مسطرة التسوية أو التضمنية القضائية حيث يمكن تمديد المسطرة شخصيا إلى المسير متى ثبت أن تسييره أو تلاعبه
هو السبب في نقص أصول الشركة واختلال وضعيتها المالية، كما أن القانون يوجب على
المحكمة أن تفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية تجاه المسير شخصيا عندما يثبت
في حقه بعض المخالفات المحددة في المادة 706 من مدونة التجارة[36]،
كالتصرف في أموال الشركة للمصلحة الخاصة أو إبرام عقود تجارية لحساب المسير تحت
ستار الشركة وغيرها...
[1] فؤاد معلال ،شرح القانون التجاري المغربي
الجديد ،ج 2 ،الشركات التجارية ،مطبعة الأمنية الرباط ،ط3 ،2009 ، ص9
[2] احمد شكري السباعي،
الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، ج2، مطبعة المعارف الجديدة،
الرباط ، 2009، ص 344
[3] ينص الفصل 1016 من ق.ع.ل على ما يلي
"صلاحيات الإدارة تتضمن صلاحيات تمثيل الشركاء أمام الغير ما لم يشترط عكس
ذلك"
[12] حيث جاء في حيثيات قرار عدد 08/231 رقم 198
بتاريخ 5/2/09 الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس أنه "المسير في
الشركات ذات المسؤولية المحدودة يعد العضو البارز فيها لاتخاذ أهم القرارات التي
تهمها ......مع مراعاة السلطات المستمدة صراحة للشركاء ...."
[14] علال فالي ،،الشركات التجارية ،الجزء الأول
،المقتضيات العامة مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،طبعة 2006،ص:398.
[22] تنص المادة 13 من قانون رقم 96-5 على ما يلي
" تطبق
أحكام
القانون رقم 17.95
المتعلق بشركات المساهمة فيما يرجع لشروط تعيين مراقبي الحسابات، وبالأخص
في حالات
التنافي، وسلطاتهم والتزاماتهم ومسؤوليتهم والنيابة عنهم وتجريحهم
وعزلهم
ومكافأتهم على شركات التضامن مع مراعاة القواعد الخاصة بها."
[23] تنص المادة 168 من
قانون رقم 95-17 على ما يلي " لا يمكن لأحد الاحتجاج بالسر المهني ضد مراقبي الحسابات ، ما عدا مساعدي القضاء.كما لا يمكن الاحتجاج به ضد مراقبي الحسابات من لدن الأغيار محرري العقود أو
المودع لديهم الأموال أو وكلاء مسيري الشركة وذلك حينما تكون تلك العقود أو الودائع أو
مزاولة وكالتهم ذات علاقة مباشرة مع الوثائق التي يضطلع مراقب أو مراقبو الحسابات
قانونا بمراقبتها أو مع أعمال التحري المخول لهم القيام بها لإنجاز مهمتهم الاستعلامية"
[25]-فيصل تغدوين، خطأ
التيسير في الشركات التجارية، رسالة لنيل شهادة الماستر في منازعات الأعمال، جامعة
سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق، فاس، سنة 2013/2014، الصفحة 43.
[26]-قرار ذكره فيصل
تغدوين، خطأ التسيير في الشركات التجارية الصفحة:51.
[27]-قرار محكمة الاستنئاف
بفاس رقم 602 في ملف عدد 56-122/2012 منشور بمجلة بعض القرارات الصادرة عن محكمة
الاستئناف التجارية بفاس، عدد 15، يوليوز 2012.
[28]- علال فالي،م س،ص 401.
[29]-تعريف ذكره عماد
تمليت، دعوى الشركة ضد المسيرين للتعويض عن الأضرار اللاحقة به.
[30]- عماد تمليت، دعوى
الشركة ضد المسيرين للتعويض عن الأضرار اللاحقة بها، رسالة لنيل شهادة الماستر في
قانون الأعمال (منازعات الأعمال) جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الحقوق فاس
السنة 2013/2014 ص61.
[31]-عماد تميلت، المرجع
السابق، ص66.
[32]-كركوري مباركة حنان
مسؤولية المسير في الشركات التجارية بحت
لنيل شهادة الماستر في الحقوق و العلوم السياسية ،جامعة قاصدي مرباح (جامعة عربية
أجنبية) ، السنة 2014/2015 ص 35.
[33]- عماد تميلت، م س،
ص99.
[35]- عماد تميلت، م س،
ص105.
[36]-فؤاد معلال، ،م س، ص163.
تعليقات
إرسال تعليق