عرض بعنوان: الاثبات في منازعات الاستهلاك 
وفق قانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك




مقدمة:
ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة سن قانون جديد يراعي الطبيعة الخاصة لعقود الاستهلاك، وهو ما ستجاب له المشرع عندما أصدر بعض القوانين الخاصة الجديدة التي تهدف ما  أمكن إلى حماية المستهلك والتي بدأت تتجه إلى تخفيف من صرامة  قواعد الإثبات والحد من الصعوبات التي تواجه المستهلك من قبيل :
- القانون المتعلق بحرية الأسعار والمناسبة، القانون رقم 04 -12.
- القانون المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات ، قانون رقم 09 -24.
- القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية القانون رقم 53 -05.
وقد توجت هاته الترسانة القانونية بإصدار قانون المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، القانون رقم 08-31 الذي يعتبر إطارا عاما لقانون الاستهلاك بالمغرب، إذ تشكل صدور هذا القانون قفزة نوعية في سبيل  تدعيم المكتسبات  التي وضعها المشرع خدمة لمصلحة المستهلك، الذي يعتبر طرفا ضعيفا في العلاقة التي تجمعه بالمهني.
وقد ارتأينا من خلال هذا الموضوع التركيز على مسألة الإثبات في قانون الاستهلاك باعتباره موضوعا مهما جدا ذلك أن مسألة الإثبات تعتبر من الوسائل المهمة التي تضمن حقوق كلا طرفي العلاقة التعاقدية، بل  الأكثر من ذلك جميع الحقوق التي جاء بها قانون 08- 31 أو القوانين المكملة له لن تكون لها أية فعالية إن لم تكن هناك قواعد إثبات  مرنة تتضمن للمستهلك حق المطالبة بحقوقه بكل سهولة حينا يختار اللجوء إلى القضاء.
ومن حصاد ما سبق تتضح لنا الاهمية النظرية لهذا الموضوع التي تتمثل في إبراز التطور الذي عرفته نظرية الإثبات بعد صدور قانون 08- 31 باعتباره الإثبات الأداة الوحيدة التي يعتد بها القانون لتأكيد وجود الواقعة محل النزاع  أو عدم وجوده.
أما الأهمية العملية تتجلى في محاولة المشرع المغربي ضمان حماية فعالة للمستهلكين وتحقيق نوع من التوازن بين فئة المهنيين وفئة المستهلكين فيما يخص مسألة الإثبات.
وإن كان  من خلال تصفحنا  لقانون 08-31يظهر لنا أن هناك قصور في اهتمام بمسألة الإثبات حيث تركت في معظم  الحالة تخضع للقواعد العامة، هذا ما يطرح علامة استفهام فيما يخص مسألة تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية في مسألة الإثبات على اعتبار المستهلك هو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية وغالبا ما يصعب عليه  إذ لم نقل  يستحيل  عليه إثبات  المسؤولية  استنادا  إلى القواعد العامة في جانب المهني، الذي يتميز بالمعرفة والخبرة المهنية، لذلك يبقى الأمل معقود على القضاء لكي يلعب دورا إيجابيا في مجال الإثبات وذلك من أجل تجاوز القصور التشريعي في هذا المجال بما يحقق فعلا التوازن  بين طرفي العلاقة التعاقدية لإثبات حقوقهما[1].
ولما كان الهدف من هذا البحث هو إبراز الجديد الذي جاء به قانون حماية المستهلك في مسألة الإثبات، حيث هذا  الجديد يعتبر ثورة على نظرية الإثبات  المكرسة في الفصل 399 ق.ل.ع"إثبات الالتزام على مدعيه"، وكذا إبراز الدور الإيجابي الذي يلعبه  القضاء في مسألة الإثبات،  فإن إشكالية الموضوع تتمحور حول الدور التشريعي والقضائي في  تحقيق التوازن بين المهني والمستهلك في الإثبات؟ اوبعبارة أوضح هل قانون 08-31  بفلسفته الجديدة المتمثلة في حماية المستهلك حقق هذا الهدف فيما يخص الإثبات  أم هناك قصور؟ إن كان الجواب هو نعم  أن هناك قصور ماهو الدور الإيجابي الذي لعبه القضاء من أجل تجاوزه؟
من خلال هذه الإشكالات  يتضح أن الأهداف المتوخاة من هذه الدراسة تتجلى فيما يلي:
- محاولة إبراز بعض مظاهر التوازن وعدم التوازن بين المهني والمستهلك في الإثبات.
- الوقوف على التغييرات التي طرأت على نظرية الإثبات التقليدية بفعل صدور قانون08-31.
- إبراز الدور الإيجابي للقضاء في تعامله مع الفلسفة الجديدة التي جاء بها قانون 08- 31 في مجال الإثبات.
ومن خلال هذه الأهداف نرسم حدود للموضوع التي تتمثل  في توضيح دور النص التشريعي في إعادة التوازن في الإثبات بين المهني والمستهلك، وكذا إظهار بعض ملامح الدور الإيجابي للقضاء في سد نقص النص التشريعي في سبيل تحقيق التوازن المشار إليه. وسنحاول معالجة هذا الموضوع  بالاعتماد على منهج تحليلي نقدي للفصول المؤطرة لمسألة الإثبات في قانون 08- 31 وكذا على منهج وصفي، وذلك من خلال وصف دور القضاء في التعامل مع النزاعات التي يكون  أحد أطرافها مستهلك مركزين على مسألة الإثبات وذلك من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول : دور النص التشريعي في إعادة التوازن بين المستهلك والمهني في الإثبات
المبحث الثاني : دور القضاء في تجاوز القصور التشريعي تحقيقا للتوازن بين المستهلك والمهني في الإثبات.








 
لقد أقر المشرع المغربي عدة وسائل للاثبات سمح بموجبها للمستهلك أن يستند عليها لإثبات حقه في مواجهة المهني، والمطالبة به أمام القضاء ( المطلب الأول). ولم يقف المشرع عند هذا الحد بل إتجه إلى التخفيف عن المستهلك من مشقة الإثبات من خلال تكريه لخصوصية قلب عبئ الاثبات و جعله على عاتق المهني في بعض الحالات ( المطلب الثاني).    
  المطلب الأول : وسائل الإثبات في قضايا الاستهلاك بين المهني و المستهلك
يحتل عنصر الإثبات مكانة مهمة بالنسبة لطرفي النزاع، إذ على ضوء ما يتوفر لدى كل منهما من أدلة لإثبات مايدعيه من تنفيذ للالتزام أو عدمه، يصدر الحكم القضائي الفاصل في النزاع[2].
ومن المعلوم أن العقد الذي يجمع بين المستهلك والمهني هو عقد مختلط. وبالتالي فإن استعمال وسائل الإثبات بالنسبة للأعمال المختلطة يخضع لنظام قانوني مزدوج طبقا للمادة 4 م ت، حيث يكون لغير التاجر أن يثبت العمل في مواجهة التاجر بكافة طرق الإثبات، أما التاجر فلا يستطيع أن يثبت العمل في مواجهة غير التاجر إلا باتباع طرق الإثبات المنصوص عليها في القانون المدني، وهي حسب الفصل 404 ( إقرار الخصم، الحجة الكتابية شهادة الشهود، القرينة، اليمين، النكول)[3].
وفيما يخص وسائل الإثباتالمتاحة في قانون حماية المستهلك فإن المشرع المغربي لم يخصها بنظام خاص، وإن كان نص في البند 17 من المادة 18 من قانون 51.08 على أنه ( يعتبر تعسفيا الشرط الذي يؤدي إلى إلغاء او عرقلة حق المستهلك في إقامة دعوى قضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن وذلك بالحد بوجه غير قانوني من وسائل الإثبات المتوفرة لديه).
ومن المفيد التطرق لبعض وسائل الإثبات التي يمكن للمستهلك أن يلجأ إليها  تجاه المهني بما فيها القرائن المقررة لصالحه، وهكذا سنتطرق لدور الكتابة في الإثبات ( الفقرة الأولى) على أن نتطرق في ( الفقرة الثانية) لبعض العقود النموذجية باعتبارها وسائل إثبات  في هذا المجال إلى جانب الكاتبة.
الفقرة الأولى: دور الكتابة في إثبات الحقوق في نزاع الاستهلاك
بالرجوع إلى قانون 31.08 نلاحظ أن المشرع أوجب أن تكون الاتفاقات كتابة، وذلك لحماية مصالح المستهلك وتوثيق العملية الاستهلاكية وضمان نزاهتها وتوفير الدليل على حقوقه متى نشأ نزاع بشأنها،حيث أصبح المشرع يفرض أن تبرم التصرفات الاستهلاكية كتابة ( أولا)، و نظرا لكونها تعد من أقوى الأدلةفي الإثبات فقد اتسع نطاقها ليشمل حتى المعاملات المبرمة بشكل إلكتروني ( ثانيا).
أولا: دور الكتابة الورقية في الاثبات
بالوقوف عند مقتضيات ق.ج.م.م يتضح بأن المشرع المغربي جعل من الكتابة شرطا أساسيا لصحة بعض التصرفات القانونية، بغية توفير حماية واضحة للمستهلك خاصة وأن الكتابة تخول للمستهلك وسائل تسمح له بإثبات صحة مطالبه عند وقوع نزاع بنيه وبين المهني[4].
وتلعب الكتابة دورا مهما في مجال الإثبات إذ تعد من أهموسائل الإثبات وأكثرها استعمالا وهو أمر له مبرراته، يبقى أرزها هو إمكانية الاحتفاظ بنسختها الأصلية دون أية زيادةأو نقص رغم مرور الزمن، بخلاف  باقي وسائل الإثبات الأخرى، كما أن الدليل الكتابي يتم إنشاؤه قبل وقوع أي نزاع بخلاف الوسائل الأخرى المستعملة في الإثبات[5].
وتحتل الكتابة أهمية بالغة ضمن وسائل الإثبات، إذ يعتبر الوسيلة الأكثر انتشارا في المعاملات التعاقدية وخاصة تلك المبرمة بين المستهلك والمهني، سواء قبل إبرام العقد أو بعد انعقاده. فالوثائق المعدة قبل إبرام التصرف الاستهلاكي المتضمنة للبيانات الأساسية حول العملية التعاقدية والمتمثلة في الشروط الخاصة بالبيع أو إنجاز الخدمة والأسعار، هي وثائق إيجابية تساهم في تنوير رضا المستهلك بالشكل الذي يمكنه من اتخاذ قرار إبرام العقد من عدمه ويعيد التوازن العقدي بين الأطراف المتعاقدة، كما تشكل وسائل إثبات يمكن اعتمادها متى وقع نزاع بين المورد المستهلك[6].
كما أن المشرع وعيا منه بعدم التوازن العقدي الذي يتخلل عقد القرض الاستهلاكي الذي تتضارب فيه مصالح المقرض الذي غالبا مايستغل حاجة المقترض لحمله على قبول قرض بشروط مجحفة، لذلك اوجب المشرع أن يسبق إبرام عقد القرض إجراءات العرض المسبق وتسلم نسختين منه بالمجان إلى المقترض، وعند الاقتضاء نسخة إلى الكفيل ( طبقا للمادة 77 ق.ج.م).
وبهذا يمكن اعتبار الشكلية التي جاء بها العرض المسبق وسيلة إثبات في حالة ما إذا أخل المقرض بإحدى الشروط والمعلومات الواردة في العرض المسبق أثناء إبرام عقد القرض وتنفيذه حيث يسهل على المقترض (المستهلك)إثبات هذا الإخلال بواسطة وثيقة العرض المسبق.كما أنه بالرجوع إلى المادة 8 ق ح م التي تنص على انه ( يتعين على المورد إذا كان من الواجب إبرام عقد بصفة كلية او جزئية كتابة أن يحرره في العدد الكافي من النظائر وأن يسلم إحداها على الأقل إلى المستهلك).
وهكذا فمن شأن هذه النظائر أن تساعدالمستهلك في إثبات إدعاءاته في حالة إخلال المورد بإحدى الالتزامات المترتبة في ذمته، أو تنفيذها بغير الشكل المتفق عليه،كما أنه يحول دون ممارسته كانت معتادة في الواقع العملي إذ بموجبها  كان يخفي المهني النسخة الأصلية من العقد بعد توقيع المستهلك عليها ويمتنع من تسليمه نظيرا منها  أو مجرد الإطلاع عليها إبرام العقد وكذلك حتى لا يواجه بمضمونها ومقتضياتها[7].
وفي محاولة من المشرع المغربي لتوفير حمايته فعالة للمستهلك بمناسبة إبرام العقد الاستهلاكي لذا ألزم المهني بمجموعة من الشكليات ترمي بالدرجة الأولى إلى توفير وسائل إثبات مادية بين يديه،وفي هذا الإطار نجد المادة 4 ق ح م تنص على أنه ( يجب على المورد كذلك بأن يسلم فاتورة أو مخالصة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك قام بعملية شراء وذلك وفق المقتضيات الجاري بها العمل) ،وفي هذا الصددينص الفصل 251 ق ل ع م أيضا على أنه (للمدني الذي وفى الالتزام الحق في أن يطلب استرداد السند المثبت لدينه، موقعا عليه بما يفيد براء ذمته، فإن تعذر على الدائن أن يرد سند الدين او كانت مصلحة مشروعية في الاحتفاظ به حق للمدين أن يطلب على نفقته توصيلا مؤقتا مثبتا براءته)، كما نص الفصل 252 ق ل م م على أنه ( للمدين الذي يفي ببعض الالتزام الحق في أن يطلب إعطائه توصيلا بما يدفعه وله أيضا أن يطلب التأشير بما يفيد حصول الوفاء الجزئي على سند الدين)
ولا شك ان هذه الوثائق تجد أهميتها عند حدوث نزاع بين المستهلك والمهني حول إنكار هذا الأخير عدم أداء المستهلك للثمن أو للإسقاط المتفق عليها في وقتها للتهرب من المساءلة عن التزامه بالتسليمأو بباقي الالتزامات الملقاة على عاتقه في حالة إخلاله بها.
ثانيا: الكتابة الإلكترونية في مجال الاستهلاك
لقد أصبحت جل المعاملات  الاستهلاكية في عصرنا الحالي تنعقد بوسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة مما أدى إلى ظهور ما يسمى بالتجارة الالكترونية، الأمر الذي أدى إلى إبرام عقود دون الحضور الفعلي للأطراف في الزمان والمكان، لذا كان لا بد الأخذ بعين الاعتبار الاتجاهات الحديثة في مجال الإثبات.
وبماأن قانون الاستهلاك هو قانون شكلي، وأن العقود المبرمة بشكل إلكتروني تعتبر عقودا استهلاكية الكترونية، فانه يمكن اعتمادها كوسيلة إثبات في حالة قيام نزاع بين أطراف هذا العقد على اعتبار أن الوسيلة التي يعقد بها العقد هي المعتمدة في الإثبات.
ونظرا لما تحظي به الكتابة الالكترونية من أهمية في الإثبات فإن المشرع المغربي اعترف لها بالقوة الثبوتية شانها شأن الكتابة الورقية،وذلك طبقا للفصل 417-1 الذي ينص على انه (تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.
تقبل الوثيقة المحررة بشكل الكتروني للا ثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شانها ضمان تماميتها).
كما نص الفصل 417-3 في فقرته الأخيرة على انه ( تتمتع كل وثيقة مذيلة بتوقيع الكتروني مؤمن والمختومة زمنيا بنفس الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ ثابت).
ويتضح من خلال هذين الفصلين أن للتوقيع والمصادقة الالكترونية ضمانات فعالة لإجراء القوة الثبوتية للكتابة الإلكترونية وذلك من خلال وظائفهما المهمة، فوضع المشرع لهذه الآليات يعتبر من أهم ضمانات الأمانوالاطمئنان ليس فقط فيما يتعلق بجدية المعاملات المبرمة إلكترونيا والتأكد من هوية الأطراف وإنما أيضا لإطفاء الحجية الكاملة للكتابة الإلكترونية وإمكانية اعتمادها أمام القضاء كوسيلة إثبات فعالة في حسم النزاع[8].

الفقرة الثانية: دور الوثائق النموذجية فيإثبات  نزاعات الاستهلاك
يعتمد الأطراف في عقد القرض الاستهلاكي على مجموعة من الوسائل التي يمكن أن يواجه بها كل واحد منهما تجاه الآخر، والتي تعتبر قرائن للأداء
ومن بين هذه الوسائل المعتمدة في هذا المجال نجد الكشوفات الحسابية (أولا) ثم الوثائق أو العقود النموذجية ( ثانيا).
أولا: اعتماد كشف الحساب كوسيلة من وسائل الإثبات بين المهني والمستهلك
يعد التزام المقترض بأداء أقساط القرض احد الالتزامات الرئيسية في عقد القرض، إذ أن أداء المقترض لكل قسط عند حلول أجله يؤكد التزامه وحرصه على تنفيذ واجباته، إلا أن هذا الأمر لا يتم في جميع الأحوال حيث انه من الممكن أن يعجز المقترض عن تنفيذ هذا الالتزام فيصبح  العقد مهددا بالزاول،أناداك يقوم النزاع بين المتعاقدين وخاصة على مستوى الإثبات، إذا انه في عقد القرض نجد وسيلة الإثبات التي تعتمد غالبا ما تتمثل في عقد القرض والكشوفات الحسابية، رغم ان في اعتماد الكشوف الحسابية خروج عن القواعد العامة في الإثبات لكونه وثيقة عرفية، ولأجل قيام الوثيقة العرفية كوسيلة إثبات يجب أن تحمل توقيع الملتزم فهذا الشرط غير متوفر في الكشف الحسابي، ومع ذلك أر له المشرع حجية إثباتية رغم مخالفته القواعد العامة التي تقول بأنه لا يجوز الشخص أن يصنع دليلا لنفسه[9].
وبالرجوع إلى المادة 156 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمة التي تنص على أنه ( يعتد بكشوف الحسابات التي تعد مؤسسات الائتمان وفق الكيفيات المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب، بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان في المجال القضائي باعتبارها وسائل إثبات بينها وبين عملائها في المنازعات القائمة بينهما إلى أن يثبت ما بخلاف ذلك).
والملاحظ في خلال هذه المادة أن المشرع جعل من كشوفات الحساب وسيلة إثبات بين مؤسسات الائتمان وعملائها من التجار وغير التجار سواء في المعاملات التجارية أو المدنية متى توفرت في الكشف الحسابي شروطه،،على اعتبار أن أغلب الزبناء الذين  يتعاملون مع المؤسسات البنكية هم أشخاص مدنين، لهذا السبب تدخل المشرع أوقر حجية الكشف الحسابي للزبناء دون تمييز بين التجار وغيرهم وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف التجارية بفاس في العديد من قراراتها أهمها: قرار رقم 2035 الصادر بتاريخ 22-11-2012 الذي جاء فيه ( الكشوفات الحسابية تعتبر حجة في الإثبات حسب المادة 492 م ن ووفق المادة 118 من القانون البنكي رقم 0334 شريطة انتظامها وفق دورية والى بنك المغرب وعدم المنازعة فيها منازعة جدية).
وهناك قرار آخر صدر عن نفس المحكمة بتاريخ 18/12/2012 الذي جاء فيه ( أن كشوف الحساب المعدة وفق الكيفيات المنصوص عليها بدورية والي بنك المغرب هي التي تعتمد كوسيلة إثبات في المجال القضائي في المنازعات القائمة بينها وبين عملائها عملا بمقتضيات المادة 118 م ق البنكي رقم 0334  والمادة 496 م ت...)[10].
ثانيا: اعتماد العقود النموذجية كوسائل إثبات في مجال الاستهلاك
نظرا للتطور الذي أصبح يشهده المجتمع والسرعة المتطلبة في بعضالأنشطة التجارية أدى إلى ابتكار عقود نموذجية تعد مسبقا ليتم التعاقد بموجبها في ظروف موحدة. وقد يكون العقد النموذجي إما عقدا فرديا أعد مسبقا لحالة معينة، أو عقدا نموذجيا أو عدته جماعات مهنية او جمعيات تستهدف حماية الطرف الأقل خبرة او كفاءة، ويمكن كذلك للدولة أن تتدخل بإيعاز منالمشرع لوضع بنود تعاقدية في تلك العقود لصالح المستهلك.
وتستعمل عادة العقود النموذجية من قبل المؤسسات التي تتمتع بقدرة قوية على فرض شروطها ويكون هناك طرف ضعيف حاجة إلى السلعة أو الخدمة، وكمثال على هذه العقود نجد عقود الاشتراكفي الماء والكهرباء والهاتف وعقود التأمين وغيرها
وهكذا فإن المستهلك بمجرد توقيعه على العقد النموذجية فإنه يعتبر ملزما بما تتضمنه هذه العقود من بنود، وفي حالة وقوع نزاع بينه وبين المحترف الذي أعده يمكن اعتماد العقد النموذجي كآلية للإثبات
كما أن المشرع ألزم في العمليات الإشهارية توفر مجموعة من البيانات، وفي حالة غياب إحداها يمكن اعتبارها حجة إثبات ضد المهني ونفس الأمر ينطبق على باقي الوثائق التي حددها قرار وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي رقم 07.14 الصادر في 2 يناير 2014 بخصوص الضمان التعاقدي والخدمة بعد البيع، وعليه يمكن القول بأن المشرع عمل على تكريس الشكلية في قانون حماية المستهلك ليس تنفيذا لإرادة الأطراف وإنما لحمايتها وتوفير أدلة إثبات يمكن اعتمادها أمام القضاء لاقتضاء الحقوق المتنازع بشأنها، وفي ذلك تخفيق من صرامة القواعد العامة للإثبات.

المطلب الثاني :  قلب عبئ الإثبات كمظهر جديد لتحقيق التوازن بين المهني والمستهلك في الإثبات
عمل المشرع  المغربي على قلب عبئ الإثبات في حالات محدودة وذلك استثناءا من القاعدة العامة وذلك بهدف التخفيف من صعوبات  الإثبات التي تواجه المستهلك في  هاته الحالات علي اعتبار هذا الأخير هو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية التي تجمعه بالمهني الذي غالبا ما يهدف إلى حماية مصالحه ولو على حساب المستهلك وتمثل هاته الحالات التي يتم فيها نقل عبئ الإثبات في ثبات عدم تعسفية الشرط المدرج في العقد (الفقرة الأولى) وفي الإثبات في البيع وتقديم الخدمات عن بعد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : إثبات عدم تعسفية  الشرط المدرج في العقد
تعتبر حماية المستهلك من القضايا الهامة، خاصة في عصرنا الحالي حيث قل الوازع  الديني لدى الأفراد، كما أن ما شهده العالم من نقلة نوعية، سواء  بالنسبة للنواحي الاقتصادية أو الاجتماعية[11]، أدى إلى ظهور مجموعة من الوسائل  التي يستعين بها المهني من أجل التأثير على المستهلك، حيث لم تعد إرادة هذا الأخير إرادة مطلقة وحرة في إبرام العقود.
ومن بين أهم الوسائل التي يلجئ إليها المهني من أجل التأثير على رضا  المستهلك نجد التعاقد عبر نماذج محررة سلفا من قبل المهني، تتضمن ما يشاء هذا الأخير من الشروط وهذه الشروط غالبا ما  تتميز بطابع التعسف والإجحاف كمثلا نماذج العقود التي تطرحها مؤسسات الائتمان على زبنائها، حيث تتضمن هذه الأخيرة (نماذج العقود) شروط يكون على الزبون قبولها  أو الانصراف وذلك بفضل القوة الاقتصادية للمهني، مما يثقل كاهل المستهلك بالتزامات كثيرة من دون أن يلتزم البنكي بأبسط الالتزامات الأولية[12].كل هذا  دفع بالمشرع المغربي إلى التدخل بغية إعادة بعض التوازن المفقود في عقود الاستهلاك، وذاك بتبنيه لنظرية الشروط التعسفية بموجب الإطار العام لقانون الاستهلاك المتمثل في  قانون رقم 08 -31 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك[13]، كآلية قانونية هامة للمطالبة بإلغاء وحذف الشروط التعسفية المدرجة في العقود الاستهلاكية التي يكون المستهلك طرفا فيها.
وتدليلا لصعوبة الإثبات  في هذا المجال عمل المشرع المغربي على إعفاء المستهلك من عبئ الإثبات أو اعتبار المستهلك في وضعية المدعى عليه في الدعوى من زاوية عبئ الإثبات[14] وذلك أثناء لجوئه إلى القضاء من أجل المطالبة بإلغاء الشروط التعسفية المدرجة في العقد الاستهلاكي حيث ألقاه على عاتق المهني دائما.
وهكذا عمل المشرع على قلب القاعدة العامة للإثبات لصالح المستهلك، وألزم المورد المدعي عليه بإثبات عدم تعسفية الشرط، حيث جاء في المادة 18 من قانون 08. 31. ما يلي : "في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا يجب على المورد الإدلاء بما يثبت  الطابع غير تعسفي للشرط موضوع النزاع.
وهذا نفس المقتضى كرسه أيضا المشرع الفرنسي في مدونة الاستهلاك الفرنسية[15]. حيث ألزم المهني بإثبات عدم تعسفية الشرط المدرج في العقد بجميع وسائل  الإثبات وذلك في جميع الأحوال
إذن يتضح من خلال المادة أعلاه أن عبئ الإثبات فيما يخص إثبات عدم تعسفية الشروط المدرجة في العقد يقع دائما على عاتق المهني بالرغم من وجود المهني في موقف المدعي.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تقوية ودعم موقف المستهلك على مستوى  الإثبات[16].
وما يؤكد رغبة المشرع في تكريس مبدأ قلب عبئ الإثبات في هذه الحالة، هو أنه جعل من هذا المقتضى خاضعا للنظام العام بحيث لا يجوز للأطراف الإتفاق على مخالفته إذا نصت المادة 20 على أنه "تعتبر أحكام هذا الباب من النظام العام"، أي أنه لا يمكن للأطراف الاتفاق على خلافها وكل شرط مخالف يكون باطلا وعديم الأثر، كما يجب على القاضي إثارتها تلقائيا[17]، كما يمكن إثارتها في أي مرحلة من مراحل التقاضي، إذا ما أهمل القاضي أو المستهلك إثارتها في المرحلة الابتدائية.
الفقرة الثانية : الإثبات في البيع وتقديم الخدمات عن بعد
التعاقد عن بعد هو كل بيع لسلعة أو أداء خدمة يبرم دون الحضور المادي للأطراف المستهلك والمهني، حيث يتم عقد اتفاق بين طرفي العقد خلال تلاقي الإيجاب والقبول عن طريق وسيلة أو أكثر من تقنيات الاتصال عن بعد.
وكما هو معلوم المشرع ألزم المهني بإعلام المستهلك بكافة المعلومات الضرورية، وقد يصل هذا الإعلام إلى التحذير والتنبيه، حيث يعتبر المورد مسؤولا بقوة القانون اتجاه المستهلك عن حسن تنفيذ الالتزامات الناتجة عن العقد المبرم عن بعد، سواء أكان التنفيذ على عاتق الطرف الأصلي أو على عاتق مقدمين آخرين للخدمات، وهو ما تم التنصيص عليه في المادة 26 من قانون 31.08[18].
وبالإضافة إلى إلزام المهني بإعلام المستهلك مسبقا بكل المعلومات الضرورية حتى تتوازن الإرادتان وتتكافأ، فإنه عزز هذه الحماية في هذا المجال بجعل عبئ الإثبات على عاتق المهني، إذ بخلاف القاعدة المشهورة التي تقتضي بأن عبئ الإثبات يقع على عاتق الطرف المدعي، فإن قانون حماية المستهلك حاول التخفيف من حدة هذا  المقتضى  بما يخدم مصلحة المستهلك مراعاة لحساسية مركزه وعدم توازن العلاقة العقدية التي تربط بين المستهلك والمهني[19].
وزيادة من المشرع لهذه الحماية وتأكيدا على هذا الطرح اعتبر أنه لا يجوز الاتفاق بين المورد والمستهلك على تحميل هذا الأخير عبئ الإثبات أو إعفاء المورد نفسه من الإثبات، فيما يخص تقديم الخدمات والبيع عن بعد حيث اعتبر كل اتفاق من هذا  القبيل باطلا وعديم الأثر[20].
كما نجد المشرع  قد طوق هذا المقتضى – قلب عبئ الإثبات في التعاقد عن بعد – بمقتضى آخر يضمن فعالية أكثر حماية للمستهلك عن بعد، حيث جعل مقتضيات المادة 34 من النظام العالم إذ نصت  المادة 44 على أنه :"تعتبر أحكام هذا الباب من النظام العام[21].
وبالتالي كل شرط يكون مفاده جعل عبئ الإثبات  على المستهلك فيما يخص التعاقد عن بعد يعتبر باطلا وغير قانوني وعديم الأثر.



المبحث الثاني : الدور القضائي في الإثبات في منازعات الاستهلاك
اعتبارا للخصائص المميزة لمنازعات الاستهلاك، بكونها تتميز بخاصية اللاتوازن بين طرفي النزاع المستهلك و المهني. و ذلك للمركز الاقتصادي و المعرفي الذي يتبوؤه المهني في هذه العلاقة. حيث غالبا ما يكون المهني أحرص على حقوقه من المستهلك. و له استطاعة أكثر لتوفير أدلة الإثبات و اصطناعها في أحيان أخرى و أكثر إلماما بظروف العلاقة التعاقدية محل النزاع.
نظرا لهذه الخصوصيات الأنفة الذكر، ظهرت دعوات الفقه و المهتمين بمجال الاستهلاك إلى توفير ضمانات حمائية أكثر للمستهلك في ميدان الإثبات. حيث طولب القضاء بلعب دور أكثر إيجابية في مجال الإثبات . وذلك إما عن طريق تسخير القواعد العامة بما يفيد المستهلك . بالإضافة إلى توظيف المساهمات لمباشرة و غير المباشرة التي اتى بها قانون حماية المستهلك 08-31 .
سنعمل في هذا المبحث الحديث عن بعض المداخل التي يمكن للقضاء استثمارها من أجل لعب دور إيجابي في هذه المنازعات . و ذلك من خلال مطلبين . المطلب الأول : توظيف القضاء للقواعد العامة من أجل خدمة الفلسفة الحمائية للمستهلك. و سنقف في المبحث الثاني على المساهمات المباشرة و غير المباشرة التي مكنها قانون حماية المستهلك لخدمة هذا التوجه.
المطلب الأول: توظيف القضاء للقواعد العامة في الإثبات بما يخدم المستهلك .
انسجاما  مع الدور الايجابي المنشود للقضاء. فإن النصوص القانونية العامة. و خاصة قواعد المسطرة الدنية قادرة على تخويل القاضي إيجابية أوفر و نشاط أكثر في الدعوى. و خاصة في مرحلتها الرئيسية المتمثلة في مرحلة التحقيق على اعتبار أن قناعة القاضي التي سيكرسها في الحكم  تنبني في هذه المرحلة.
و إذا كان كل خصم يسعى أثناء التحقيق إلى إقناع القاضي بصحة إدعاءاته أو بعدم صحة إدعاءات خصمه . فإن الدور الايجابي  المكرس في إجراءات التحقيق . يسمح للقاضي بالتحرك و عدم الاكتفاء بما يقدمه الخصوم للإلمام بوقائع النزاع و التأكد من مدى مطابقته للحقيقة تسهيلا لمهمة الفصل في النزاع.
فالقاعدة العامة في قانون المسطرة المدنية المغربية على هذا المستوى هي أن إجراءات التحقيق يرجع الحق في إصدارها و الأمر بها للقاضي . فلا يجبره أحد الخصوم على الأمر بها. بل أكثر من ذلك له أن يعدل أو يستغني عنها ، حتى في حالة صدور حكمه بها .فبالنسبة لعدم إجبارية الخصوم للقاضي على الأمر بإجراءات الحقيق فإنها تستخلص من الفصل 55 من ق.م.م الذي استهله المشرع بعبارة ‘‘يمكن‘‘ حيث جاء فيه (( يمكن للمحكمة بناء على طلب الأطراف أو تلقائيا. أن تأمر قبل البث في الجوهر بإجراء خبرة أو وقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق الخطوط أو أي إجراء أخر من إجراءات التحقيق .....))  فهذا الفصل الذي يعتبر بمثابة دستور إجراءات التحقيق يوضح أنه من الممكن للقاضي أن يمتنع عن الأمر بإجراء تحقيقي طلبه الخصوم أو أن يعدل منه، أو أن يأمر تلقائيا به[22]. و لا يكون ملزما على الأمر بإجراء  تحقيقي معين إلا إذا كان الفصل في النزاع المعروض عليه متوقفا عليه. و على هذا الأساس طلبات الخصوم لا تلزمه فالكلمة الأولى و الأخيرة في الإجراءات ترجع للمقرر على اعتبار كونه الادرى بالإجراءات الأكثر فائدة في النزاع المعروض عليه. و هذا ما أكده العمل القضائي المغربي . في مجموعة من القرارات الصادرة عن أعلى هيئة قضائية بالمغرب . كالقرار الذي جاء فيه ‘‘الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق مخول لسلطة المحكمة و هي غير ملزمة بذلك. مادام توفر لها العناصر الكافية للبث في النزاع‘‘[23] و القرار الصادر عن اس[24]تئنافية الرباط ‘‘ إجراءات بحث أو معاينة أمر موكول لمحكمة الموضوع و لا تقوم به إلا إذا كان ضروريا للفصل في النزاع‘‘ بما أن القاضي غير مجبر على الامر بإجراءات التحقيق . فهذا يعني أن له بصفة تلقائية الأمر بها . و قد أشار إلى ذلك الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية. وإعطاء صلاحية للقاضي لكي يأمر تلقائيا بإجراءات التحقيق هو تعبير و تجسيد للطابع ألتنقيبي لدوره في الإثبات فهو يسعى أيضا للبحث عن الأدلة بواسطة هذه الصلاحيات المخولة له[25].
فالقاضي عندما يأمر بإجراءات التحقيق فهو يخفف عبء الإثبات عن أحد الخصوم ، و لكم ذلك ليس تحيزا لجانبه . فإن الأمر هو خلاف ذلك. فحكمه بهذه الإجراءات مرده تحيزه للحقيقة.
إذا تبت ما قلنا فيما يخص صلاحية القاضي في الخيار و الأمر  بإجراءات التحقيق و تفعيل دوره ألتنقيبي الهادف إلى بلوغ الحقيقة و حماية الطرف الضعيف في النزاع الذي هو المستهلك. و عليه كذلك من جهة أن يلتزم الحياد و أن لا ينحاز إلى للعدالة و ما يريح ضميره المهني لا يتحول خصم وحكم .
و يبقى أن نعرج في هذا الصدد لما يمكن أن نعتبره أهم آليتين يمكن للقاضي تسخيرهما في الإثبات و هما المعاينة و الخبرة.
أولا : المعاينة.
يمكن تعريف المعاينة بأنها مشاهدة المحكمة للشيء المادي الذي هو محل النزاع و ذلك بهدف التحقق من حالته و أوصافه و كلما يحيط به توصلا لإيجاد الحل[26]. و تتميز المعاينة بأنها تتم بغير واسطة و هذا ما يجعلها وسيلة ناجعة تمكن القاضي من الوقوف على حقيقة النزاع كما هي في المسائل المادية فيتكون  اعتقاده الصحيح  حول النزاع و بالتالي تظهر الحقيقة في أقصر وقت و بأيسر التكاليف[27].
و مما سبق يمكن اعتبار الأمر بالمعاينة من المداخل المهمة التي يمكن للقضاء الاستناد إليها بغية إعادة التوازن المفقود بين أطراف النزاع الاستهلاكي. حيث من خلالها يمكن للقاضي الحصول على ما يؤسس قناعته من جهة و يكون أقرب إلى جوهر النزاع. و ذلك فهذه الوسيلة  في التحقيق تخدم خصوصيات النزاع الاستهلاكي الذي سبق و أكدنا عليها كونه نزاع بسيط في الغالب. فالمعاينة لا تحتاج لتكاليف كبيرة. و قد يكون لما دور فعال في حسم النزاع، و توفير أدلة إثبات لفائدة لطرف الضعيف في النزاع العاجز عن الإثبات أمام القضاء.
ثانيا: الخبرة .
تعتبر الخبرة أهم إجراءات التحقيق في الدعوى يلجئ من خلالها. للخبراء للبحث في المسائل التقنية و الفنية التي من شأنها مساعدته على توضيح بعض العناصر من أجل الوصل إلى الحقيقة[28] .
و الدافع بالقاضي للجوء إلى الخبرة هو إستظهار بعض جوانب النزاع التي يستعصى عليه إدراكها بنفسه إستنادا إلى معلوماته الشخصية و ليس في أوراق الدعوى و أدلتها المتداولة ما يعين على فهمها. و هذه الجوانب يكون توضيحها جوهريا في تكوين عقيدة المحكمة. يتضح إذن أن الهاجس في الحكم بالخبرة هو الوصول إلى الحقيقة التي تمكن القاضي من الفصل في النزاع فصلا يريح ضميره. و هذا هو ما يظهر الدور ألتنقيبي  للقاضي في مرحلة التحقيق . ويبرز أمثر هذا الدور ألتنقيبي إذا علمنا أن لجوؤه إلى الخبرة قد يكون تلقائيا. و أن هذا لا يتنافى مع الحياد المفروض في القاضي. و في هذا تقول محكمة المقض ‘‘ يمكن للمحكمة حتى في حالة كون دعوى المدعي مجردة من الاثبات أن تأمر بإجراء خبرة دون أن يشكل ذلك إخلالا بمبدأ الحياد. و لا أن يشكل إقامة للحجة في مواجهة الطرف الأخر[29].
أذا ثبت ما برهنا عليه أنفا أمكن للقاضي المتشبع بروح حماية المستهلك، لعب دور إيجابي في الإثبات بغية البحث عن حقيقة و تحقيق التوازن بين طرفي النزاع أمامه.
الفقرة الثانية: دور القاضي في الإثارة التلقائية .
من المداخل التي في غاية الأهمية و التي  يمكن للقاضي من خلالها.خدمة التوجه الحمائي للمستهلك بما يخدم المستهلك. الإثارة التلقائية لتدابير حماية المستهلك بما يخدم مصلحة هذا الأخير.
حيث تؤكد مقتضيات قانون حماية المستهلك على طابعها المشبع بروح النظام العام ، الذي يعطي للقاضي الحق في الإثارة التلقائية من غير طلب الخصوم. و بذلك يلعب القاضي دورا إيجابيا في مسار الدعوى. بما يفيد المستهلك. هذه المقتضيات متعددة في قانون حماية المستهلك 08-31، يذكر منها المادة 20 و المتعلقة بالأحكام الخاصة بالشروط التعسفية حيث جعل المشرع هذه الأحكام مرتبطة بالنظام العام. ومن ثم يمكن إثارتها تلقائيا من طرف القاضي . حيث جاء في هذه المادة‘‘ تعتبر أحكام هذا القسم من النظام العام ‘‘  وكذلك المادة 52 المتعلقة بالبيع خارج المحلات التجارية و المادة 44 المتعلقة بالعقد المبرم عن بعد و المادة 151 المتعلقة بأحكام القرض . و غيرها من المواد التي تؤكد طابع النظام العام في النزاع الاستهلاكي بما يمكن القاضي من التدخل الايجابي. 
المطلب الثاني: المساهمات المباشرة و غير المباشرة لقانون الاستهلاك بالنسبة لدور القضاء في الإثبات.
في إطار البحث عن إجراءات مسطريه  تساير روح مقتضيات القواعد الموضوعية التي منها قانون حماية المستهلك، و من أهم القواعد الإجرائية التي تضمن فعالية القواعد الموضوعية . القواعد الخاصة بالإثبات، إذ لا حق يمكن إقراره من غير إثبات. وقد جاء قانون الاستهلاك بمساهمات في مجال الإثبات إن كانت محدودة إلا أن أجرأتها قد يكون له صدا في غاية الأهمية في ما يخص حماية المستهلك. هذه المساهمات منها ما هو مباشر و ما هو غير مباشر. و كل منها ينتظر التفعيل و إيمان السادة القضاة بهذه الخلفيات الفكرية.
الفقرة الأولى: المساهمات المباشرة لقانون الاستهلاك في تفعيل الدور الايجابي للقضاء في الإثبات في ما يخص نزاع الاستهلاك.
يمكن أن نجمل أهم المساهمات المباشرة التي أتى بها قانون الاستهلاك لسادة القضاة من أجل خدمة الفلسفة الحمائية للمستهلك في نقطتين أساسيتين. النقطة الأولى و تتعلق بتفسير و تأويل العقود بالإضافة إلى إعطاء الحجية للوثيقة التي بين يدي المستهلك في حالة تضارب النسخ بين المستهلك و المهني.
أولا : تأويل العقود في نزاعات الاستهلاك.
في حالة الالتباس و الغموض التي قد تكتنف نص العقد، بما لا يعكس بالضرورة الإرادة الواضحة لأطراف العقد. فإن القواعد العامة لقانون ل.ع.م. أوردة مبادئ في تفسير و تأويل العقود و التصرفات القانونية. و ذلك في الفصول من 461 إلى الفصل 473. و ما يهمنا في هذا الصدد هو الفصل 473 الذي جاء فيه ‘‘ عند الشك يؤول الالتزام بالمعنى الأكثر فائدة للملتزم ‘‘ و يعتبر هذا الفصل الشريعة العامة في تأويل الالتزامات الغامضة و غير المفهومة .هذا الفصل قد يخدم المستهلك في بعض الأحيان. لكن  لا يرقى لكي يساير القواعد الحمائية لقانون  الاستهلاك. حيث في بعض الأحيان قد يكون الملتزم هو المهني في  و تفسير الغموض لفائدته يزيد في قوة مركزه القانوني  في مواجهة المستهلك.
إلا أن قانون حماية المستهلك تنبه لهذه النقطة. و جاء بالمادة9 ‘‘ فما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها . المقترحة على المستهلك كتابة يجب تقديم هذه الشروط و تحريرها بصورة واضحة و مفهومة. وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط يرجح التأويل الأكثر فائدة بالنسبة إلى المستهلك‘‘
هذه المادة يمكن القول عنها بأنها تعكس التوجه الجديد في تفسير عقود الاستهلاك. حيث تعتبر خلخلة  للقواعد  العامة في التأويل حيث ترجح كفة المستهلك و مصلحته سواء كان ملتزما أو ملزما . ويمكن استثمارها من طرف القضاة لتنزيل الدور الايجابي بما يخدم المستهلك. حيث عبرها يمكن للقاضي دعم موقف المستهلك الذي يعوزه الدليل و الإثبات في مواجهة المهني.
ثانيا : ترجيح حجية الوثيقة التي بين يدي المستهلك .
من المدخلات القانونية التي يمكن للقضاء توظيفها في مجال الإثبات لخدمة الطابع الحمائي للمستهلك ما هو مسطر في بعض القواعد الاستهلاكية تنص على ترجيح الوثيقة التي بين يدي المستهلك . فالكثير من القواعد القانونية الاستهلاكية تنص على الشكلية  في التصرف. و كذلك على ضرورة واجب تسليم نسخة من الوثائق الشكلية التي تثبت التصرف. فهذا من جهة يحمي المستهلك إذ يجعله في نفس المستوى من القدرة على إثبات التصرفات و الاتفاقات بامتلاكه لهذه الوثائق. غير أن هذه المقتضيات قد تظل غير ذي جدوى إن تعرض هذا المقتضى لتلاعب المهني. من خلال عمله على تسليم المستهلك نسخا لا تتطابق و التي بيم يديه. و من ثم كان من اللازم ترجيح النسخة المسلمة  إلى المستهلك في حالة وجود تعارض بينها و بين النسخة التي بين يدي المهني. إذا عجز هذا الاخير عن تقديم تفسير لسبب ذلك التعارض. و من النماذج عن هذه القواعد ما هو منصوص عليه في مدونة التأمينات.
المطلب الثاني: المساهمات غير المباشرة لقانون الاستهلاك لتعزيز الدور القضائي في نزاع الاستهلاك.
بالإضافة إلى المساهمات المباشرة التي تضمنها قانون الإستهلاك في مجال ملائمة القواعد الإجرائية مع غايات و أهداف قانون حماية المستهلك، و خاصة فيما يتعلق بالإثبات. فقد عضد قانون الإستهلاك هذه الغاية. بمساهمات غير مباشرة تخدم الإثبات في نزاع الإستهلاكي. و سنعالج في هذا الصدد بعض ما نعتبره مساهمات غير مباشرة في هذا المجال. و من ذلك جعل الالتزامات الملقاة على عاتق المهني التزامات بنتيجة. بالإضافة إلى تعزيز هذا القانون بقواعد جنائية.
الفقرة الأولى: جعل الالتزامات الملقاة على عاتق المهني التزامات بنتيجة.
إن المتتبع لمواد و نصوص الاستهلاك في عموميتها، يتبين له جليا و خاصة فيما يتعلق بالقانون 08-31 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، و كذلك القانون المتعلق بضمان السلامة 09-24 و ما تتضمنه هذه النصوص من التزامات اغلبها التزامات بنتيجة[30]. حيث نجد مثلا الالتزام بالإعلام المنصوص عليه  في القسم الثاني من قانون 08-31. و هو التزام بنتيجة و لا تبرأ ذمة الملتزم به إلا إذا تحققت النتيجة. و كذلك الالتزام بخلو العقد من الشروط التعسفية و الالتزام بالضمان سواء القانوني أو الاتفاقي، كلها التزامات جعل منها المشرع التزامات بنتيجة.
هذا التوجه هو في نظرنا مساهمة غير مباشرة لقانون الاستهلاك في تعزيز إمكانيات إثبات المستهلك. فإثبات تخلف النتيجة سهل مقارنة مع إثبات الخطأ في بذل العناية.
فالالتزامات المرتبطة بالنتيجة يكفي لقيام المسؤولية عن الإخلال بها. إثبات تخلف النتيجة. ليعتبر ذلك التخلف خطأ يصلح كأساس للمسؤولية المدنية. عكس ما عليه الأمر فيما يخص الخطأ في الالتزام ببذل عناية.حيث يجب إثبات تقصير الملتزم في بذل عناية الرجل المتبصر أو ما يطلق عليه رب الأسرة الصالح حسب المعيار الموضوعي للخطأ. ومن ثم فهذه مساهمة غير مباشرة في غاية الأهمية تخدم بساطة و سهولة الإثبات بالنسبة للمستهلك.
الفقرة الثانية: تعزيز قانون الاستهلاك بقواعد جنائية و خدمة هذه الأخير للإثبات.
من الخصوصيات التي تطبع القوانين الاقتصادية الجديدة كونها متشبعة بروح النظام العام. و أكثر من ذلك دخول القاعدة الجنائية على الخط في هذا المجال و بحدة. رغم كون أن هذه القوانين تنتمي إلى حقل بعيد شيء ما القانون الجنائي. حيث تعززت هذه القوانين بقواعد متعلقة بالمجال الجنائي بقوة سواء من خلال القواعد الموضوعية الخاصة بالتجريم و العقاب أو القواعد الإجرائية المسطرية.
هذه الخصوصية التي جاءت بها القوانين الاقتصادية الجديدة لها وجه أخر بالإضافة إلى زجر المتلاعب و المتجاوز لهذه القوانين . فإنها تقدم خدمات جليلة أمام العدالة لطرف المتضرر. سواء على مستوى رفع الدعوى أو التحقيق فيها . فخرق القاعدة الجنائية الاستهلاكية يمكن المستهلك من بساطة تحريك الدعوى . حيث يكفيه المطالبة بتحريك الدعوى العمومية. سواء عن طريق تقديم شكاية لنيابة العامة التي تتولى مهمة تحريك الدعوى العمومية . أو عن طريق الشكاية المباشرة لرئيس المحكمة. و من ثم تنصيب نفسه كطرف في الدعوى المدنية التابعة بغية المطالبة بالتعويض.
هذا المسار يمكنه من الاستفادة أولا من مجانية تحريك الدعوى و لا يبقى أمامه إلى الرسم القضائي من أجل تنصيب نفسه طرف في الدعوى المدنية التابعة. و كذلك ما يهمنا بدرجة أكبر استفادته من البحث و التحقيق الذي تتولاه النيابة العامة عن طريق الضابطة القضائية و الادارة كذلك في الدعوى المدنية.


خاتمة :



[1] فاطمة الكبير، الإثبات في قانون الاستهلاك ، بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس 2013/2014، ص 4-5.
[2]- عمرو قريوح، الحماية القانونية للمستهلك، القرض الاستهلاكي نموذجا، أطروحة لنيل الدكتوراه ف القانون الخاص، وجدة، السنة الجامعية 2006-2007، ص: 412.
[3]- عبد المهيمن حمزة، إشكالية الإثبات في منازعات الأعمال المختلطة، مجلة القضاء التجاري، العدد الثاني، السنة الأولى، صيف- خريف، 2013، ص 62.
[4]- المهدي العزوزي، تسوية نزاعات الاستهلاك، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2013، ص 54.
[5]- نور الدين الرجالي، التطبيقات العملية الحديثة في قضايا الاستهلاك، مكتبة الرشاد، سطات، الطبعة الأولى، 2014، ص 46.
[6]- فاطمة الزهراء الكبير، الإثبات في قانون الاستهلاك، بحث لنيل شهادة الماستر، تخصص ماستر منازعات الأعمال، فاس السنة 2013-2014، ص: 17.
[7]- فاطمة الزهراء الكبير، نفس المرجع، ص 25.
[8]- فاطمة الزهراء الكبير، م. س، ص 59.
[9]- رشيد لمسياح، حماية المستهلك وفق قانون رقم 31.08، القرض العقاري نموذجا ـ رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، وجدة، السنة الجامعية 2013-2012، ص 106.
[10]- قرار رقم 1806، ملف عدد 1388/12، الصادر بتاريخ 18/10/2012.
[11] رشيد لمسياح، حماية المستهلك وفق قانون رقم 08. 31 . -القرض العقاري نموذجا- رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية الحقوق، وجدة 2012 – 2013، ص 4.
[12] أحمد الكويسي "حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود الإذعان"، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، العدد2، 2009، ص 21.
[13] ظهير شريف رقم 03. 11 . 1 ، صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011)، بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، منشور بالجريدة الرسمية، عدد 5932 بتاريخ 7 ابريل 2011، ص 1072.
[14] عبد الحميد أخريف، قراءة في مشروع قانون 08. 31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، مجلة القانون الاقتصادي، العدد 3، 2010، ص 2012.
[15] حيث جاء في المادة  1/ 132 من مدونة الاستهلاك الفرنسية "في حالة  وجود نزاع حول عقد يتضمن بندا من البنود الشروط التعسفية يجب على المهني أن يثبت الطابع  غير تعسفي".
[16] يوسف المومني، المنازعات  المتعلقة بالشروط التعسفية في القانون المغربي، المجلة المغربية للقانون الاقتصادية، العدد 5، 2013، ص 17.
[17] فاطمة الزهراء الكبير، الإثبات في قانون الاستهلاك، م.س، ص 75.
[18] حيث جاء في المادة 26 من قانون 08 .31 "يعتبر المورد مسؤولا بقوة القانون اتجاه المستهلك علي حسن تنفيذ".
[19] حيث أكدت المادة 34 من قانون 08 . 31 "في حالة حدوث نزاع بين المورد والمستهلك فإن عبئ الإثبات يقع على المورد خاصة فيما يتعلق  بالتقديم المسبق للمعلومات المنصوص عليها في المادة 29 وتأكيدها واحترام الآجال وكذا قبول المستهلك".
[20] نصت الفقرة الأخيرة من المادة 34 على أنه "يعتبر كل اتفاق مخالف باطلا وعديم الأثر.
[21] فاطمة الزهراء الكبير، الإثبات في قانون الاستهلاك، مرجع سابق، ص 77.
[22]  محمد المجدوبي الإدريسي، إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية، الطبعة الأولى،1996، مطبعة الكاتب العربي دمشق
،ص 51
[23]  قرار عدد 1463 صادر بتاريخ 29/3/2011، مشار إليه بمؤلف محمد بفقير قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي. ص 141.
[24]  قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط 1413/06 صادر بتاريخ 32/01/2003 منشور بمجلة الحقوق المغربية عدد 11، ص 216.

[25]  -Viont jeun. procédure civil, dalloz 18 edit. 1976  ,p 562
[26]  مؤمون الكزبري و العلوي العبدلاوي ، شرح قانون التنظيم القضائي و المسطرة المدنية في القانون المغربي ، ج.2 ، ص 277 
[27]  أوان عبد الله، المعاينة في الدعوى المدنية دراسة مقارنة ، طبعة 2012، مطابع شتات مصر ، ص 89
[28]  مقطع من منشور صادر عن وزير العدل بتاريخ 5 نونبر 1996، منشور في مؤلف محمد بفقير، قانون المسطرة م و العمل القضائي المغربي، ص 139
[29]  قرار عدد 2622 في الملف عدد 05/ 1769 صادر بتاريخ 13/09/2006 ، منشور بمجلة الملف ، عدد 16، ص 228
[30]  فاطمة الزهرة الكبير، م.س. ص 63

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة