عرض بعنوان : "دور الشركات التجارية في تحقيق التنمة المستدامة"
من إعداد طابة ماستر قانون الاعمال بتطوان
من إنجاز: 
-   فنة أبولاس
-   سهيلة بن حمو

- حميدة ناصر

مقدمة:
لكل دولة تريد تحقيق تنمية اقتصادية شاملة يتوجب عليها تبني سياسة اقتصادية قائمة على تدعيم المجالات الموازية، والضرورة لتحقيق هذه التنمية من خلال تفعيل دور الشركات الاستثمارية المتمثل في القيام بمقابل مالها من امتيازها بواجبها تجاه المجتمع خصوصا في ظل الأزمة المالية، وما يكتنف الاقتصاد العالمي من مشكلات وتحديات، كما أنها مطالبة بضرورة إعادة النظر بالقواعد والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية والبيئية التي تنظم عمل الشركات وتراقب أداءها.
ولم يعد تحقيق الرحب والنمو العمودي والأفقي للشركات في ظل التطورات المتسارعة في المعايير الناجعة للمؤسسات الاقتصادية بالدول المتقدمة بل تجاوزتها إلى معايير أخرى في التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة وحمايتها وتحقيق تنمية اجتماعية خدمة للمجتمعات المحلية، ويؤكد الخبراء الاقتصاديون بأنه لا يمكن للشركات الاستمرار بالعمل في ظل التحرر الاقتصادي دون تلمس حاجات المجتمع والتفاعل معه لأن تعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات والقطاع الخاص يكتسب أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومة عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدماتية...
لذلك فإن الدور الاقتصادي والاجتماعي وكذا البيئي من أهم الأدوار التنموية التي تقوم بها الشركات التجارية من تشكل القاعدة الاجتماعية للمجتمع وتزويده بالسلع والخدمات وتوفير فرص العمل ونقل التكنولوجيا المتطورة الحديثة وتعزيز مصادر الدخل للاقتصاد وتأهيل وتدريب العاملين بها.
وبالتالي وعلى هذا الأساس يمنك طرح الإشكالية التالية: هل يمكن اعتبار الشركات التجارية شريك فعال في تحقيق التنمية المستدامة؟ ولهذا ارتأينا اعتماد المنهجية التالية:
المبحث الأول: الإطار العام للشركات التجارية والتنمية المستدامة.
المطلب الأول: مفهوم الشركات التجارية والتنمية المستدامة.
المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة داخل الشركات التجارية.
المبحث الثاني: واقع مساهمة الشركات التجارية في التمنية المستدامة
المطلب الأول: أسباب ومعيقات التنمية المستدامة داخل الشركات التجارية.
المطلب الثاني: حوافز دفع الشركات التجارية نحو التنمية المستدامة.

المبحث الأول: الإطار العام للشركات التجارية والتنمية المستدامة.
سنتطرق في هذا المبحث إلى مفهوم الشركات التجارية ومفهوم التنمية المستدامة (مطلب أول) وإلى آليات تطبيق التنمية المستدامة داخل الشركات التجارية (مطلب ثاني).
المطلب الأول: مفهوم الشركات التجارية والتنمية المستدامة.
الفقرة الأولى: مفهوم الشركات التجارية
تعتبر الشركات التجارية الإطار الأكثر ملائمة للقيام بالمشاريع في ظل الاقتصاديات الحديثة فهي لها القدرة الكبيرة على تعبئة ادخار الأشخاص الطبيعيين والمعنوين وجمع الرساميل التي تحتاج إليها في استثماراتها، كما أنه بحكم طريقة تكوينها وإدارتها تنشأ منذ ولادتها مسلحة بالأدوات القانونية والمادية التي تمكنها من مزاولة نشاطها بكفاءة ودون أن يعرقل نشاطها عوامل عائلية أو عاطفية أو نفسية فهي شخص اعتباري مجرد يتحكم في مصيره. ولم تعرف القوانين المنظمة للشركات التجارية في المغرب الشركة غير أنه بالرجوع إلى ق.ل.ع في الفصل 982 نجده يعرفها بأنها: "عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهما بقصد تحقيق الربح الذي ينشأ عنها"[1]. هذا يعني أن المشرع المغربي اعتبر الشركة عقدا تخضع لحرية التعاقد ويهيمن عليها مبدأ سلطان الإرادة ما لم يتطلب القانون شكلا خاصا وقد جادل الفقه في الأساس العقدي للشركة خاصة بعد تدخل المشرع في تنظيم كافة أنواع الشركات بقواعد آمرة حماية للادخار العام والمصلحة العامة فأصبح للشركاء دور محدود في وضع نظامها الأساسي فأصبحت الشركات بالتالي أقرب للنظام القانوني منها إلى العقد. كما أن الشركات التجارية في ظل القوانين الجديدة لا يمكن أن تكتسب الشخصية المعنوية إلا من تاريخ تقييدها في السجل التجاري، أما قبل هذا التقييد فلا وجود للشركة التجارية كشخص معنوي ولعل ما يزيد من تأكيد هذا الأمر هو انتشار الشركة ذات المسؤولية المحدودة ذات الشخص الوحيد حيث أصبحت هذه الشركة تتأسس بإرادة منفردة وليس عن طريق العقد. إلا أنه رغم ذلك تبقى للإرادة أو حرية التعاقد مجال خصب في قوانين الشركات سواء كانت شركات أشخاص أو أموال شريطة احترام النظام العام أو النظام القانوني الذي اختاره المشرع لكل شكل من أشكال الشركات[2].
الفقرة الثانية: مفهوم التنمية المستدامة.
التنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.
ونشأ مفهوم التنمية المستدامة عن النقص الملحوظ في النماذج السابقة للنمو الاقتصادي والتنمية التي لم توفر قاعدة عريضة بصورة كافية يستند إليها في إصدار الأحكام المتوازنة عن تكاليف ومنافع مختلف السياسات، واتجهت بدلا من ذلك إلى التركيز على المكاسب قصيرة الأجل على حساب الطموحات في المدى البعيد. ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه من عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي، وتتطلب التنمية المستدامة تحسين الظروف المعيشية لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل وتجري التنمية المستدامة في 3 مجالات رئيسية هي: النمو الاقتصادي، حفظ الموارد الطبيعية والبيئة (بحيث أنها تعتد بناء البيئة بدلا من تدميرها وهي تأهل البشر بدلا من أن تهمشهم)[3]. والتنمية الاجتماعية، وأهم التحديات التي تواجهها هي القضاء على الفقر من خلال التشجيع على اتباع أنماط إنتاج واستهلاك متوازنة دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية.
المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة في الشركات.
تعتبر الشركات من العناصر التي تساهم في التنمية الاقتصادية فبنيتها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية وتفاعلها مع المحيط الداخلي والخارجي بالإضافة للأحداث والأزمات التي يشهدها العالم وما صاحبها من ضياع حقوق أصحاب المصالح داخل الشركات أدت إلى اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية والباحثين سواء كانوا اقتصاديين أو اجتماعيين بهذه الخلية المؤثرة في حياة الإنسان عامة والاقتصاد بصفة خاصة، وذلك بمحاولاتهم لتفادي وقوعها في الأزمات والتقليل من حدتها ومن خلال دراسات أجريت حول سبب هذه الانهيارات فوجد أن القسط الكبير يعود خاصة إلى الفساد المالي والإداري الذي يترتب عليه تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها مما يضعف قدرتها على التنافر والبقاء...
نتيجة لذلك زاد الاهتمام بتطبيق مفهوم حكامة الشركات[4] إضافة إلى تنمية الموارد البشرية، وذلك من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
على هذا الأساس ارتأينا في مطلبنا هذا والذي يتحدث عن آليات تطبيق التنمية المستدامة في الشركات التجارية إلى تقسيم هذه المطلب وذلك في فقرتين:
الفقرة الأولى: على مستوى حكامة الشركات.
الفقرة الثانية: على مستوى الموارد البشرية.



الفقرة الأولى: على مستوى الحكامة:
إن حكامة الشركة هي مجموع السياسات والأنظمة التي تنظم العلاقة بين مجلس إدارة الشركة ومساهميها وأصحاب المصلحة الآخرين وهي توفر أيضا الهيكل الذي من خلاله يتم وضع أهداف الشركة ووسائل تحقيقها وتحديد أطراف مراقبة الأداء فيها. وبالتالي فإن حكامة الشركات هي التي توفر لكل من المجلس والإدارة التنفيذية الحوافز المناسبة للوصول إلى الأهداف التي تصب في مصلحة الشركة وتسهل إيجاد عملية مراقبة فاعلة وبالتالي تساعد الشركة على استغلال مواردها بكفاءة[5].
لذلك زاد الاهتمام بتطبيق مفهوم حكامة الشركات التي يتم ن خلاله استغلال موارد الشركات وحسن توجيهها ومراقبتها من أجل تحقيق أهدافها بتوظيف مبادئ تضمن الممارسة السليمة لها. تعتبر هذه المبادئ المرجع الأساسي للعديد من الممارسات المعقلنة المتعلقة بحكامة الشركات وهناك خمس مبادئ أساسية وضعيتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالإضافة إلى مبدأ سادس تم وضعه بعد مراجعة هذه المبادئ سنة 2004، وهي:
1)   وجود إطار فعال لحكامة الشركات: حيث يجب أن يعمل هيكل حكامة الشركات على رفع مستوى الشفافية وكفاءة الاسواق وأن يتوافق مع دور القانون ويحدد بوضوح تقسيم المسؤوليات بين الهيئات المختلفة المسؤولة عن الإشراف والرقابة والالتزام بتطبيق القانون.
2)   ضمان حقوق المساهمين: وذلك بحماية إطار القواعد المنظمة لحكامة الشركات، حقوق المساهمين ويسهل ممارستها.
3)   ضمان المعاملة المتساوية لكافة المساهمين: وذلك بتحقيق المساواة وتحقيق المعاملة العادلة بين كافة المساهمين كبارا كانوا أم صغار وكذلك المساواة بين المساهمين المحليين والمساهمين الأجانب.
4)   إشراك جميع أصحاب المصالح في حكامة الشركات: الاعتراف بحقوق أصحاب المصالح كما يوضحها القانون وأن يعمل أيضا على تشجيع الاتصال بين المؤسسات وأصحاب المصالح في مجال خلق الثروة وفرص العمل وتحقيق الاستدامة للمشروعات القائمة على أسس مالية سليمة.
5)   الإفصاح والشفافية: يقصد بهذا المبدأ الإفصاح عن المعلومات الجوهرية بثقة ومصداقية عالية وتشمل المعلومات المالية والمعلومات الاستراتيجية (الخطط والأهداف...).
6)   مسؤولية مجلس الإدارة: يجب أن يكفل أسلوب ممارسة سلطات الإدارة بالشركات المتابعة الفعالة للإدارة التنفيذية من قبل مجلس الإدارة وأن يضمن كذلك مساءلة مجلس الإدارة من قبل المساهمين.
إذن فالحكامة تكتسي أهمية كبيرة داخلة الشركات التجارية فاتباع مبادئها السليم يؤدي إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة مع تشجيع الشفافية في الحياة الاقتصادية ومكافحة مقاومة المؤسسات للإصلاح وتؤدي الأزمة المالية إلى اتخاذ نظرة عملية جيدة عن كيفية استخدام حكامة الشركات الجيدة لمنع الأزمات المالية القادمة وبالتالي التأثير على التنمية المستدامة.
الفقرة الثانية: على مستوى الموارد البشرية:
إن نجاح عملية التنمية الشاملة للمجتمعات باعتبارها الهدف الأساسي لجميع الدول متقدمة كانت أو نامية يتوقف على كفاءة مواردها البشرية وما تتوفر عليه من موارد طبيعية أو رؤوس أموال وطنية أو معونات أجنبية، حيث تعتبر الشغل العمود الفقري للحياة البشرية وهو الوسيلة التي مكنت الإنسان عبر مراحله التاريخية الطويلة من مقاومة سلبية الطبيعة[6].
ولم يعط لهذا المفهوم حقه من الاهتمام والتطبيق إلا في الحقبة الأخيرة من القرن 20 بحيث كانت الدول قبل ذلك توجه الاهتمام إلى ثرواتها الاقتصادية وإمكاناتها المادية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها، بعد ذلك تلتها مرحلة أخذت فيه الدول بحماس بفكرة التخطيط الشامل لمشروعاتها وخاصة الدول النامية بقصد الإسراع بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ورغم ذلك فقد مكان قصور هذه الخطط عن تخطيط أهدافها يرجع بالأساس إلى عدم كفاءة موردها البشرية، وخصوصا فيما يتعلق بعدم قدرة القيادة الإدارية على تنفيذ البرامج التي تضمنتها تلك الخطط بكفاءة، وهذا ما دفع جميع الدول المتقدمة منها والنامية إلى تنمية مواردها البشرية ورفع مستوى قدراتهم على حسن إدارة مشروعات التنمية المؤثرة فيه ومواجهة ما يعترض تنفيذها من عقبات[7]، وعليه يمكن القول بأن تقدم الدول ورفاهيتها أصبح يقاس بما تملكه هذه الدول من هياكل بشرية متميزة، وعلى العموم يمكن القول أن تنمية الموارد البشرية هي فكرة واسعة تجمع بين اختصاصات متعددة تتضمن عدة وسائل تؤثر على تنمية الفرد والرفع من قدراته ومؤهلاته وأولى هذه الوسائل تعليم الأفراد وتثقيفهم ثم تدريبهم لمواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي ثم توفير ظروف صحية جيدة وأخيرا الرعاية الاجتماعية التي هي أيضا لها دور في تنمية الفرد.
·       فبالنسبة للتعليم: فالمفهوم الحديث لتنمية الموارد البشرية يرتبط ارتباطا وثيقا بنظام التعليم وتوجيهاته وأهدافه، إذ يساهم في الرفع من كفاءة الفرد الذهنية وفي فتح مجالات الإبداع القدري. وحسب الدكتور إبراهيم أسعدي أصبح التعليم أم القطاعات المنتجة في العصر الراهن، كما أصبح البحث العلمي المحرك الأساسي للتقدم الاقتصادي لذلك فإن الأمر يستدعي تنمية الموارد البشرية.
·       بالنسبة للتدريب الإداري والمهني: أعطيت عدة تعاريف للتدريب الإداري ومن ضمن هذه التعاريف تعريف الدكتور محمد سويلم حيث يقول: التدريب الإداري هو بمثابة نشاط تعليمي مقصود تقوم به منظم ما تعرض رفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين.
·       بالنسبة للتدريب المهني: يتم هذا النوع من التدريب في المراكز المهنية بهدف تدريب الفئات المراد تدريبها والفئات التي تحتاج إلى رفع مستواها المهني لتخريج عمال أنصاف مهرة وعملا مهرة كما تقوم هذه المراكز أيضا بتخريج مسؤولي ورش في المهن الأساسية ويعد قطاع التكوين من القطاعات الحيوية والأساسية لأن الدول كما هي في حاجة إلى أدباء ومحامين وأطباء هي أيضا في حاجة إلى مهنيين متخصصين[8].
·       الرعاية الصحية: من واجب الدول أن تعطي اهتماما ملحوظا إلى صيانة وحماية صحة الموظفين والتي تعتبر من أهم عوامل زيادة إنتاجياتهم وتوفير الشروط اللازمة لضامن تأديتهم لمهامهم وفي ظروف صحية جيدة فمرض العامل أو عجزه عن العمل عبء ثقيل على المنظمة كما هو عبء على العامل ذاته بسبب ارتفاع نسبة الغياب وبالتالي سيكون له انعكاس سلبي على السير العادي للمنظمة.
·       الخدمات الاجتماعية: تعتبر الرعاية ذلك النشاط الذي يهتم بكل التغيرات المنشودة لتحسين مستوى معيشة الأفراد عن طريق إشباع حاجاتهم الطبيعية والاجتماعية المشروعة وتتجلى هذه الخدمات على الخصوص فيما يلي:
+ السكن + الخدمات الثقافية + الخدمات الرياضية.

المبحث الثاني: واقع مساهمة الشركات التجارية في التمنية المستدامة
إن مفهوم التنمية المستدامة يرتبط وجودا وعدما مع العديد من القضايا والإكراهات كالفقر والبطالة والهشاشة... إلى غيرها من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات، فكان لزاما على الدولة أن تجد متنفسا يشكل حلا لمحاولة معالجة الإكراهات والاختلالات التي يعانيها المجتمع، بمعية مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين في هذا المجال من بينهم الشركات التجارية، إلا أن هناك مجموعة من العراقيل التي تحول دون قيام هذه الأخيرة بهذا الدور على الوجه المرجو (المطلب الأول)، والتي يمكن معالجتها من خلال تبني مجموعة من الحوافز قصد دعم الشركات التجارية للاضطلاع بدورها في مجال التنمية المستدامة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأسباب والمعيقات التي تحول دون قيام الشركات التجارية بدورها في التنمية المستدامة:
ما سنحاول معالجته من خلال فقرتين، بحيث نخصص الفقرة الأولى لأسباب زيادة الاهتمام بدور الشركات التجارية في التنمية المستدامة، على أن نخصص الفقرة الثانية للمعيقات التي تحول دون قيام الشركات التجارية بدورها كفاعل في التنمية.
الفقرة الأولى: أسباب زيادة الاهتمام بدور الشركات التجارية في التنمية المستدامة.
من المعلوم أنه قد زاد في السنوات العشر الأخيرة الاهتمام نحو تفعيل دور الشركات التجارية في برامج التنمية الاجتماعية المستدامة التي تنادي بها المجتمعات الحديثة، ويرجع سبب ذلك أساسا إلى مجموعة من العوامل، من أبرزها:
·       العولمة :وتعد من أهم القوى الدافعة لتبني المنظمات لمفاهيم جديدة كمفهوم التنمية المستدامة ومفهوم المسؤولية الاجتماعية أو الشركات المواطنة للشركات في التنمية المستدامة، حيث أضحت العديد من الشركات متعددة الجنسية Multinational companies (MNCs) ترفع هذه الشعارات[9]، وأصبحت تركز حملاتها الترويجية على أنها تهتم بحقوق الإنسان، وأنها تلتزم بتوفير ظروف عمل آمنة للعاملين، وبأنها لا تسمح بتشغيل الأطفال، كما أنها تهتم بقضايا البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
·       تزايد الضغوط الحكومية والشعبية: من خلال التشريعات التي تنادي بضرورة حماية المستهلك والعاملين والبيئة، الأمر الذي قد يكلف المنظمة أموالا طائلة إذا ما رغبت في الالتزام بتلك التشريعات، وبخلاف ذلك قد  تتعرض لمقاطعة والخروج من السوق بشكل عام.
·       الكوارث والفضائح الأخلاقية، حيث تعرضت الكثير من المنظمات العالمية لقضايا أخلاقية، مما جعلها تتكبد أموالا طائلة كتعويضات للضحايا أو خسائر نتيجة المنتجات المعابة.
·       التطورات التكنولوجية المتسارعة: والتي صاحبتها تحديات عديدة أمام منظمات الأعمال فرضت عليها ضرورة الالتزام بتطوير المنتجات، وتطوير مهارات العاملين، وضرورة الاهتمام بالتغيرات في أذواق المستهلكين وتنمية مهارات متخذي القرار، خاصة في ظل التحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد قائم على المعلومة والمعرفة، وزيادة الاهتمام برأس المال البشري بدرجة أكبر من رأس المال المادي[10].
وبالتالي نجد أنه من تغير بيئة العمل العالمية، فإن متطلبات النجاح والمنافسة تغيرت أيضا، إذ أصبح لزاما على منظمات الأعمال أن تضاعف جهودها، وأن تسعى نحو بناء استراتيجية أكثر عمقا مع المستهلكين والعاملين وشركاء العمل ودعاة حماية البيئية والمجتمعات المحلية والمستثمرين، حتى تتمكن من المنافسة والبقاء في السوق، حيث أن بناء هذه العلاقة من شأنها أن يعمل على تكوين أساس لاستراتيجية جديدة تركز على أفراد المجتمع، وبالتالي تتمكن منظمات الأعمال من مواجهة التحديات التي تتعرض لها في عصرنا الراهن.
الفقرة الثانية: المعيقات التي تحول دون قيام الشركات التجارية بدورها كفاعل في التنمية:
بالرغم من جسامة المهمة التي تضطلع بها الشركات التجارية كفاعل أساسي في تحقيق تنمية المجتمع المستدامة إلا أنه هناك مجموعة من العراقيل التي تحول دون تحقيقها لهذا الدور والتي من بينها:
·       عدم وجود ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى معظم الشركات كأداة لتحقيق التنمية المستدامة داخل المجتمع، فمن الملاحظ أن عدد الشركات المتبنية لهذه الثقافة يمثلون قلة من الشركات الكبرى في حين أن الغالبية يجهلون تماما هذا المفهوم.
·       إن معظم جهود هذه الشركات غير منظمة وإن كانت تسير في طريق التنمية المستدامة لأنه كي تكون هذه الجهود مؤثرة فلابد لها أن تأخذ شكل تنظيمي ومؤسسي له خطة وأهداف محددة، بدلا من أن تكون جهودا عشوائية مبعثرة.
·       غياب ثقافة العطاء للتنمية حيث أن معظم جهود الشركات تنحصر في أعمال خيرية غير تنموية مرتبطة بإطعام فقراء أو توفير ملابس أو خدمات لهم دون التطرق إلى مشاريع تنموية تغير المستوى المعيشي للفقراء بشكل جذري ومستدام[11].
·       قلة الخبرات والمعرفة والقدرة العلمية على وضع المقاييس والمعايير لقياس المجهودات، فهناك حتى الآن خلط بين الأعمال الخيرية والمسؤولية الاجتماعية التنموية للشركة.
وتبعا لذلك يمكن القول أن جزءا كبيرا في مسألة إيجاد أطر عمل جادة نحو خدمة مصالح المشروعات الصغيرة يرتكز على دور المؤسسات الحكومية، والإعلام والمؤسسات التي تخاطب باسم أصحاب المشروعات الصغيرة.
المطلب الثاني: الحوافز التي من شأنها دفع الشركات التجارية نحو المساهمة في التنمية المستدامة.
لمعالجة هذا الأمر يبدو من المناسب طرحه من خلال فقرتين: تخصص الأولى للحديث عن دور الدولة ومنظمات الأعمال في تشجيع وتحفيز الشركات التجارية للنهوض بدورها كفاعل في التنمية المستدامة، على أن تخصص الثانية لدور القطاع الخاص نفسه وكذا وسائل الإعلام.
الفقرة الأولى: على مستوى الدولة ومنظمات الأعمال.
فأما على مستوى دور الدولة فإنه يجب عليها:
·       توفير مناخ ملائم لقيام الشركات بنشاطها ومواجهة تحديات المنافسة المحلية والعالمية.
·       إعطاء القدوة الحسنة للشركات من خلال الإفصاح والإعلان بشفافية عن سياسات الحكومة المختلفة وتوفير المعلومات وإتاحتها وتحسين نظم الحكومة في الهيئات والإدارات الحكومية المختلفة وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
·       تشجيع الشركات على التزامها بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح من خلال الحوافز الضريبية والامتيازات الخاصة بالمناقصة الحكومية، لفترة محددة وربطه بتحقيق أهداف اجتماعية بعينها.
·       منح بعض الجوائز المالية والمعنوية لتشجيع الشركات على المساهمة الفعالة في برامج التنمية المستدامة.
وأما على مستوى دور منظمات الأعمال فإنه يجب عليها أن:
·       تحدد مفهوم جديد يعمل على نشر ثقافة مساهمة الشركات التجارية في التنمية المستدامة انسجاما مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، مع تنظيم حملات واسعة النطاق للترويج لهذا المفهوم قصد زيادة الوعي لدى هذه الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، بأهمية هذه البرامج وأثرها على أرباح الشركات في المدى المتوسط والطويل[12].
·       ترتيب أولويات التنمية التي يتعين على قطاع الأعمال استهدافها وتحديد أنجح الطرق للوصول إليها.
·       رسم استراتيجية متكاملة حتى يتمكن البناء عليها الأولويات التي سيتم التعامل معها وأيضا من المبادئ العامة التي يجب أن تلتزم بها الشركات عند تنفيذها لبرامج التنمية.
·       تحديد إطار زمني لتنفيذ هذه الاستراتيجيات واختيار بعض المؤشرات التي تقيس مدى نجاح هذه البرامج في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
·       تشجيع الشركات على الإفصاح والشفافية وعلى تبني معايير محددة بخصوص الإفصاح عن البيانات غير المالية الخاصة ببرامج التنمية المستدامة.
الفقرة الثانية على مستوى القطاع الخاص والإعلام:
فأما على مستوى دور القطاع الخاص فإنه يتعين على كل شركة أن:
·       تضمن في السياسة التي تنهجها مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح، على النحو الذي يؤكد على حماية أصول الشريك، واحترام حقوق أصحاب المصالح.
·       تبني الشركات التجارية سياسة واضحة للتنمية البشرية، بحيث تنص على مشاركة العاملين بالشركات في إدارتها من خلال مراجعة الميزانية السنوية وتحديد الأجور ومستوى الرعاية الصحية التي يتمتعون بها وأيضا التدريب الذي يحتاجون إليه.
·       تلتزم الشركات بمجموعة من القواعد الأخلاقية التي تحددها مجالس إدارات هذه الشركات ويقره حملة الأسهم ويتم إعلانها بكل شفافية وتلتزم الشركات بتطبيقها.
·       يتعين على الشركات أن تهتم بتلبية التزاماتها تجاه عملائها وأن تسعى جاهدة لتلبية رغباتها وحماية حقوقهم.
·       ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية أثناء ممارسة الشركات لنشاطها الاقتصادي.
·       إعداد توجيهات استراتيجية للمسؤولية الاجتماعية.
وأما على مستوى دور الإعلام فإنه ينبغي  تفعيل دور الإعلام في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية للشركات في التنمية المستدامة، لأنه برغم الدور الهام الذي يضطلع به الإعلام في نشر هذه الثقافة إلا أنه لا يزال يفتقر لمفردات الواجب استعمالها في هذا السياق إلى حد عدم التفريق بينها وبين ممارسات أخرى لذا من الجيد الإعلان عن الجهود الاجتماعية المبذولة في سبيل تنمية المجتمع حتى تكون الشركات التجارية قدوة لباقي المؤسسات في هذا المجال، ومن ثم يتسابق الجميع قصد تحقيق قدر أكبر من المنفعة للمجتمع[13].

خاتمة:
وأخيرا يمكن القول أنه للنهوض بهذا المجتمع وتنميته لابد من إشراك جميع عناصره وخصوصا الفاعلين فيه، والذين تشكل الشركات التجارية قسما هاما منه، وفي مقابل ذلك يجب على هذه الأخيرة أن ت عي جسامة وكبر المسؤولية التي تقع على ع اتقها في سبيل تطوير وإنماء مجتمعها.


لائحة المراجع
-         الدكتور كريم لحرش، "الحكامة الجيدة بالمغرب"، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى 2013، الرباط.
-         سناء البقالي "المقاولة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي"، أطروحة لنيل شهادة الدكتورة 2009-2010.
-         أمينة السلمي: "تنمية الموارد البشرية" بحث تأهيلي لتحضير الدكتوراه الوطنية، أكدال-الرباط، 2012-2013.
-         حسين عبد المطلب الأسرج: تفعيل دور المسؤولية الاجتماعية للشركات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مقال منشور في موقع العلوم القانونية.
-         هجر الحمير: المقاولات الصغرى والمتوسطة والتنمية الاقتصادية بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال، 2012-2013.




فهرس الموضوعات


مقدمة:
1

المبحث الأول: الإطار العام للشركات التجارية والتنمية المستدامة.
2

المطلب الأول: مفهوم الشركات التجارية والتنمية المستدامة.
2

الفقرة الأولى: مفهوم الشركات التجارية
2

الفقرة الثانية: مفهوم التنمية المستدامة.
3

المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة في الشركات.
4

الفقرة الأولى: على مستوى الحكامة:
5

الفقرة الثانية: على مستوى الموارد البشرية:
6

المبحث الثاني: واقع مساهمة الشركات التجارية في التنمية المستدامة
10

المطلب الأول: الأسباب والمعيقات التي تحول دون قيام الشركات التجارية بدورها في التنمية المستدامة:
10

الفقرة الأولى: أسباب زيادة الاهتمام بدور الشركات التجارية في التنمية المستدامة.
10

الفقرة الثانية: المعيقات التي تحول دون قيام الشركات التجارية بدورها كفاعل في التنمية:
12

المطلب الثاني: الحوافز التي من شأنها دفع الشركات التجارية نحو المساهمة في التنمية المستدامة.
13

الفقرة الأولى: على مستوى الدولة ومنظمات الأعمال.
13

الفقرة الثانية على مستوى القطاع الخاص والإعلام:
14


[1]  - ظهر الالتزامات والعقود.
[2]  - ذ. حنان البكوري، محاضرات في قانون الشركات، ص: 2.
[3]  - ذ. كريم لحرش، الحكامة الجيدة بالمغرب، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، م طبعة طوب بريس، الطبعة الأولى 2013، الرباط.
[4]  - سناء البقالي، المقاولة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي، أطروحة لنيل الدكتوراه 2009-2010، ص: 11.
[5]  - ذ. كريم لحرش، مرجع سابق، ص: 14.
[6]  - أمينة السالمي، تنمية الموارد البشرية، بحيث تأهيلي لتحضير الدكتوراه الوطنية، أكدال-الرباط، 1997-1997، ص: 7.
[7] - سناء البقالي، مرجع سابق، ص: 11.
[8]  - أمينة السالمي، تنمية الموارد البشرية، مرجع سابق، ص: 12.
[9]  - حسين عبد المطلب الأسرج، تفعيل دور المسؤولية الاجتماعية للشركات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مقال منشور في موقع العلوم القانونية، ص: 5.
[10]  - حسين عبد المطل الأسرج، مرجع سابق، ص: 6.
[11]  - سناء البقالي، المقاولة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي، مرجع سابق، ص: 32.
[12]  - حسين عبد المطلب الأسرج، مرجع سابق، ص: 13.
[13]  - هجر الحيمر، المقاولات الصغرى والمتوسطة والتنمية الاقتصادية بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال-الرباط، 2012-2013، ص: 24.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة